عندما يرد ذكر الأيام الخوالي، نرانا نحنّ إلى أيام الطفولة والصبا، حين كنا نلهو ونلعب بين تلك الأزقة العتيقة، وحول بيوت الحي التي تكاد جدرانها تتلامس لولا أشبار معدودة تركت للمرور بينها في ممرات ضيقة وحارات متصلة و(برايح) هنا وهناك يلتقي فيها الأطفال والأهلون، يتبادلون عبارات الود وأنغام المحبة.
إن الحنين يشدنا إلى تلك النسائم العطرة والذكريات الجميلة، حين كانت القلوب مجتمعة على المحبة والمودة، ولم تكن المصالح قد تمكنت من عقول الناس بعد.. يوم كانت الأزقة على ضيقها براحا متسعا بقدر سعة تلك القلوب النقية، ويوم كانت الحارات المتصلة تعبر عن اتصال النفوس وارتباطها وجدانيا ببعضها البعض، ويوم كانت (البرايح) تمثل اتصال أهالي الحي بعلاقات روحية تجمعهم على الخير. إن حنيننا إلى تلك الأيام هو في حقيقة الأمر حنين إلى القيم والتقاليد والأعراف التي نشأ عليها الآباء والأجداد، وعلمونا إياها، ولكننا نعجز اليوم عن إيصال الكثير منها إلى (جيل الإنترنت) الذي يتعلم منذ نعومة أظفاره لغة المصلحة والمنفعة، ويتعود مخاطبة الأجهزة الصماء، ويتواصل مع الآلات لا مع البشر، ولا تكون علاقاته مع الآخرين وجها لوجه، وإنما عبر أجهزة الكمبيوتر.
الاتصال البشري المباشر هو الذي يولد العلاقات الإنسانية والترابط الوثيق بين أبناء الأسرة الواحدة والحي الواحد، فلما ظهرت الأجهزة الحديثة، بدءا بالهاتف، ثم الكمبيوتر، وانتهاء ــ حتى هذه اللحظة على الأقل ــ بشبكة (الإنترنت) صار التواصل المباشر مقصورا في كثير من الأحيان على الأجهزة لا على البشر، فبدأت العلاقات الإنسانية في الاضمحلال والضمور، وفيما يبدو أن هذا الوضع سيستمر ويتفاقم، حتى نفاجأ ذات يوم بأبنائنا يسألون عن ذلك الزائر الذي نجح ــ بعد جهد جهيد ومواعيد ــ في زيارتهم لمدة دقائق معدودة، فلا نجد بدا من إخبارهم بأنه (عمهم) شقيق أبيهم من أمه وأبيه! علاقاتنا الإنسانية في خطر، فهلاّ طفقنا نلم شعثنا ونجمع قلوبنا على الحب والود، لعلنا نجد في ذلك بعضا من دفء إنساني يحمينا من صقيع الأجهزة وبرودة الآلات؟!
أخبار الخليج ـ البحرين