يتزامن مع التصاعد في حدة التوتر والمخاوف في المنطقة العربية جراء تضخم وتزايد نذر الضربة العسكرية الامريكية ضد العراق، ومع تأكد دخول (مشروع السلام) في نفق طويل مظلم لن يخرج منه كما يبدو على الافق المنظور، ارتفاع نبرة الجدل حول الجامعة العربية في الدوائر النخبوية السياسية والفكرية. ومثار هذا الجدل الآخذ في الاتساع والسخونة هو حقيقة ان الجامعة العربية قد انحدرت الى قاع العجز وفقدان الفاعلية الى درجة تدفع الى ان يطالها التشكيك وتثار التساؤلات عن اهميتها وجدوى بقائها، فأزمة تلو ازمة تثبت الجامعة انها غير قادرة على التصدي للقضايا والمسائل المصيرية الملحة بالطرق والوسائل المؤدية الى تحقيق الآمال والطموحات القومية العربية.
عند التأمل في راهن القضية الفلسطينية، تظهر الجامعة فاقدة كل ادوات الفعل والتأثير التي تمكنها ـ كأقل ما يتوقع منها ـ من تشكيل قوة ضغط دولية لاجبار حكومة شارون على ايقاف ممارساتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، وحصاراتها المتكررة للسلطة الفلسطينية، وتدميرها للبنية الاقتصادية في الأراضي المحتلة والذي نتج عنه اتساع رقعة الفقر وارتفاع نسبة البطالة الى 60% حسب آخر التقديرات، اما خسائر تدمير البنية التحتية فقد بلغت مليار دولار حسب احصائيات البنك الدولي والدول المانحة. اما من ناحية تسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة تكفل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، فللجامعة سجل حافل يكشف انه ليس بمقدورها حتى ان تحول أية مبادرة سلمية تتبناها الى حقيقة واقفة على الأرض.
واذا ما حولنا النظر الى المواجهة او الأزمة العراقية ـ الأمريكية، يتجلى امامنا الدور الذي ليس للجامعة لعب دور غيره، وهو دور المشاهد والمتفرج السلبي الجالس على الخط منتظرا ما تسفر عنه الازمة من نتائج وما يليها من تبعات. عندما اقول ان الجامعة لاتستطيع القيام بأي دور آخر حيال الازمة الراهنة في المنطقة، فهذا لا يعني انها مطالبة بان تهب لنجدة صدام حسين بتفعيل (ميثاق الدفاع العربي المشترك) هذا شيء لا يستحقه على الطلاق حتى لو تخيلنا انها تملك الى ذلك سبيلا. ما اقصده تحديدا ان الجامعة العربية لا تستطيع القيام بأي دور على المستوى الدولي من شأنه ان يجنب العراق الشعب كوارث وغوائل الحرب المحتملة، وكذلك المنطقة العربية ومنطقة الخليج بالذات اذا ما تذكرنا ان الحرب التي تهدد ادارة بوش باشعال فتيلها ليست الا مقدمة لمشروع هيمنة وسيطرة على العراق ومنطقة الخليج في اطار مخطط امبريالي امريكي يهدف الى اعادة صياغة وترتيب المنطقة جغرافيا وسياسيا بطريقة تضمن للولايات المتحدة الامريكية استغلال ثروات المنطقة من ناحية، ومن ناحية اخرى ضمان امن وسلام اسرائيل.
ازاء حالة العجز العضال التي تعانيها الجامعة، يبدو مفهوما، وحتى مبررا، ان تعلن دولة مثل ليبيا انسحابها منها، رغم ان الانسحاب ليس هو الموقف الصواب على الاطلاق. ان خلاص الجامعة من عجزها لن يتحقق الا عبر النهوض بمشروع عربي جاد لترميم كيانها وهيكلها المترهلين المتصدعين وفق رؤى وتصورات تنطلق من الحقائق والمعطيات والمتغيرات في الحاضر وتأخذ في الاعتبار ما قد يطرأ من تغيرات سياسية في الوطن العربي وتسترشد بتطلعات واحلام وطموحات الانسان فيه الآن وتتنبأ بنظيراتها في المستقبل.
ان ترميم الجامعة مرتهن بايمان الدول الاعضاء بأهميتها كحاضن للعمل العربي المشترك، وبان العمل المشترك لا يتعارض مع المصالح القطرية والاقليمية، وان استمراره لن يتحقق اذا ما سمح لما هو قطري واقليمي بالطغيان عليه. يبدو واضحا ان من اهم اسباب ضعف الجامعة، هو العزف على اوتار المصالح الخاصة، واقتصار العمل العربي المشترك، مفهوما وممارسة، على حضور مؤتمرات قمة او وزراء خارجية لا يحصد منها سوى بيانات ختامية يعرف الموقعون عليها اكثر من غيرهم انها مجرد حبر على ورق.