في مقابلة صحفية للاستاذ عبدالله نور, وعن سؤال ثقافي بخصوص من يقف امام الحواجز لا يتجاوزها, ويقع في العثرات لا يقوم منها. أجاب بخبرة العمر وبخبرة الثقافة العميقة الكاشفة, وبالمجاز بان (الخيول الأصيلة لا بد ان توضع امامها الحواجز) وبأن (الانسان مثل النهر وهو يسير يحفر مجراه بنفسه, فاذا وجد أمامه حجرا فسيزيحه او يتحايل عليه, فاذا كان جبلا فان تراكم الماء سيدفعه للأمام), ويخلص الاستاذ نور الى تحديد المشكلة في الافتقار الى (التفكير المائي في زحزحة الجبال).
مقولة الاستاذ نور التشخيصية لواقع ثقافي ينفر من أول المواجهات, ولا يصمد لها, والتي تستعيد طيفا آخر لقطرة الماء تفلق الصخرة لا بقوتها ولكن بدأبها واستمرارها في الحفر في النقطة ذاتها وفي الموقع عينه على نحو يسلم ـ هذه الصخرة ـ أخيرا الى التشقق والانزياح عن الطريق.. هذه المقولة تسري ايضا الى الحالة الاجتماعية, تنطبق على الكيانات الفردية وعلى الحياة الشخصية.
الهروب من اولى المنازلات
النكوص عند أولى المواجهات
التراجع لأول غيمة سوداء منذرة
الخنوع لبادرة التهديد وتنغيص الرفاه
ان التصرف وفق السلامة, والرضا من الغنيمة بالإياب, لا يجعل الأشخاص والأشياء: (في محلك سر) وحسب. لكنه يقود الخطوات الى الخلف. والانجاز الجميل يخلي مكانه للتشوهات والحروق والدمامل تتفشى, تنشر الشلل ولا تتوقف. الإحباط والتراجع والقعود, نازلة لا تكتفي بأكل اليابس. تسقط بنهم على الأخضر النامي, تلتهم الصورة المقبلة وتحاصر نضارتها بليل دامس وبفجر لا ينشق إلا عن كثرة من السواد, إلا عن اخاديد تبتلع, فيما تبتلع, كينونة الإنسان. بما هو قابلية للتغير والاستجابة والتحول والصيرورة الى ما هو أبهى وما يحقق شرف الانتساب الى نادي الخارجين على القوالب المصبوبة والأشكال المتشابهة لا تميزها سوى الأرقام والأسماء.
تخطي الحواجز.. زحزحة الجبال..
مغادرة البرك الآسنة.. خلخلة الدائرة..
خدش الصورة المستقرة.. هجر الإطار البالي..
استشراف المناطق المضيئة.. الانتقال الى عافية الإبداع الشخصي.
لهذا كله, يلزم الإصغاء الى نداء التغيير الذي لن يكون إلا بوفرة من الجرأة, والصبر, والثقة, والدأب, والتكرار. وقبل ذلك ان يتوفر المرء على قناعة داخلية تقتضيه ان يتحرك, ويطلق عرف فرسه للرياح. يقول احد خبراء تنمية القدرة البشرية: (كي تكتشف قارات جديدة, يجب ان تكون راغبا في ان يغيب الشاطىء عن نظرك).. وبغير إخلاء المواقع واجتياز الموانع لن نصل الى بهجة الاكتشاف وعذوبة الينابيع الجيدة التي نحن اول الناهلين منها.