كلمة (تحرير) من المفردات اللغوية الكثيرة التي نسينا ابعادها الواسعة, وسجناها في بعد واحد. فهي تعني, حين اطلاقها, في اذهاننا المعنى السياسي, اي تحرير الوطن من المحتل او المستعمر.
أما المعاني الاخرى فهي لاتخطر في البال ابدا.
تحرير: جذرها اللغوي ينبع من (الحرية) ويصب فيها. والحرية لاتقتصر على تحرير ارض الوطن, او تحرير ارادته من اي عائق, بل هي تعني منح الحرية للوطن والمواطن. ومعنى هذا دخول عدد هائل من المعاني في داخلها, بحيث تشبه شجرة خضراء وذات جذر واحد, لكن اغصانها لاتعد.
من اهم معاني مفردة تحرير, او اهمها على الاطلاق, هو (تحرير المعرفة) وقد نجد غرابة في هذا التعبير. ولكن نظرة قصيرة الى التاريخ كافية لاقناعنا بصحته المطلقة.
لقد كان ذهن الانسان مليئا بالأساطير والخرافات. واخطر ماتفعله هذه الاساطير والخرافات انها تؤسس قناعات راسخة بصحتها وصدقها, بحيث يصعب على الانسان التخلص منها, والخروج من أسرها, ومن توليدها للآراء الخاطئة, والافكار التي لاتستند الى تعليل.
ان تلك القناعات الراسخة التي زرعتها الاساطير والخرافات في ذهن الانسان هي التي وقفت سدا منيعا ضد الأنبياء والمصلحين والحالمين بتغيير الوضع البشري على مر التاريخ. الأمر الذي يعني ان المعرفة البشرية لم تتحرر. ليس فقط في التاريخ القديم, بل هي باقية في الاغلال حتى يومنا هذا.
هل تظن اننا خرجنا من أسر الخرافات والاساطير, ومن قناعاتها الراسخة؟ اذا كان لدينا هذا الظن, فمعنى ذلك انك تغض الطرف والفكر والرؤية عما يحدث في الواقع, وعلى اتساع الكرة الارضية.
ان اكثر المفاهيم التي تتحكم في رؤيتنا للاشياء من حولنا, وتتحكم في سلوكنا الذهني والعملي... هي مفاهيم مأخوذة, اومزروعة فينا, من غيرنا. لم نعمل فيها اي بحث, ولم نجر عليها اي نقد موضوعي.. ولذلك نحتاج ـ الآن وليس غدا ـ الى تحرير المعرفة.
لكن هل تعتقد ان تحرير المعرفة سهل؟
لا. ابدا..
ان تحرير المعرفة يحتاج الى جهود مضنية, لانه يتطلب البدء من تحرير الذات, ومن تحرير المعلومات, ومن اشياء كثيرة يصعب تعدادها.