اتصفح هذا المطبوع الفاخر بورقه المصقول والصادر عن لجنة البحرين الوطنية للتربية واهمهم.. توجد به مختارات في التربية والعلوم والثقافة احداها دراسة عن التنمية والتعليم في دولنا الخليجية.. انه العدد 58 ـ 59.. أليست هذه اللجنة منبثقة من مكتب التربية العربي لدول الخليج؟ نعم هي.. ارشف فنجان الشاي بالحليب وأتذكر عدد الاخبار التي قرأتها في الاونة الاخيرة عن ندوات عقدتها غرف التجارة الخليجية تشكو فيه من توتر علاقتها بوزارات العمل التي تضغط باتجاه توظيف البحرينيين داخل وخارج البحرين او تلك التي عقدت في الكويت تناقش دعم الحكومة او بمعنى اصح اغراءات الحكومة للقطاع الخاص الكويتي من اجل توظيف خريجي الثانوية.. اعرف ان مشكلة العمالة والبطالة مشكلة عالمية ولكن ألا يحق لنا ان نتساءل كم هي عدد المؤتمرات والاصدارات والمؤلفات في دولنا الخليجية التي تتناول العلاقة بين التعليم والتنمية؟ وكم من تلك التوصيات التي خرجت بها تلك الدراسات طبقت واحدثت نقلة نوعية في العملية التعليمية؟.. لا احد يعلم, لكن الذي نعلمه بالتأكيد ان مخرجات التعليم الخليجية بمجملها مقطوعة عن السوق واحتياجاته قطعا تاما, والسوق كما نعرف واحدة من دعائم التنمية الاقتصادية وركيزة من ركائزه.
لو قدر لنا الاطلاع على ميزانية الامانة العامة التي تخصص لمكتب التربية العربي لدول الخليج لاجبرتنا تلك الميزانية على طرح سؤال مشروع يتلخص في.. اذا أين الخلل؟ وهي ميزانية قدرها 39.888.940 مليون ريال سعودي ويبلغ عدد موظفيه 132! ثم لو عرفنا ان النسبة التي تقطتعها وزارات التربية والتعليم في دولنا الخليجية من ميزانية دولها لأجبرتنا ايضا على طرح السؤال.. اذا اين الخلل؟ فعلى سبيل المثال تقتطع ميزانية التعليم في المملكة العربية السعودية 16% من ميزانية الدولة, وفي مملكة البحرين 13% من تلك الميزانية, تلك الارقام المهولة تدعونا اليوم لعقد مؤتمر يخصص فقط لمراجعة الجدوى الاقتصادية للجهود المالية والفكرية التي بذلت على الاقل في العقدين الاخيرين من اجل تحسين مخرجات التعليم, ومقارنتها بالناتج الاجمالي لنوعية التحسينات التي طرأت على تلك المخرجات اي لمعرفة الى اي مدى حققت تلك الجهود اهدافها؟
لايمكننا الاستمرار بهذا الهدر المالي الى ما لانهاية دون مراجعة ودون محاسبة ودون تقييم, السوق في دولنا الخليجية تصرخ منذ اكثر من عقدين, اي منذ بدأت في البحث عن النوعية لا الكمية لعمالتها, ومنذ بداية رفعنا لشعار البحرنة والسعودة والتي تعني احلال العمالة المحلية مكان الاجنبية, ومنذ اول جرس انذار دق يلفت الانتباه للخلل السكاني عند تلك الدول والناجم عن تراكم العمالة الاجنبية التي لبت احتياجات المنطقة وقت الطفرة, ومنذ بدأت اثار تلك السياسة السلبية ترهق ميزانيتنا وترهق مواردنا وتقلق راحتنا, وقررنا حينها التفكير بالمسألة بشكل جدي ووجدنا ان الاحلال هو الحل, منذ بداية تلك المرحلة والى يومنا هذا وخريج المرحلة الثانوية رغم كونه مفصلامن مفاصل العلاج بقي عصيا على السوق لا يلبي بمؤهلاته التي كلفتنا (الشيء الفلاني) ابسط احتياجاته وبالتالي لايقوم بدوره في معالجة تبعات القنبلة البشرية التي تعج بها منطقتنا.
ما الفائدة اذا التي ارجوها من رصد كل هذا الكم من البيانات المبهرجة والتي رصدها مكتب التربية كمؤشرات ادخلتها وزارات التربية من اجل احداث تطور نوعي للتعليم الفني على سبيل المثال وكلها مؤشرات مرصودة داخل اطار المؤسسة التعليمية فقط, فعلى سبيل المثال يخبرنا مكتب التربية في اصدار له عام 1994 ان وزارة التربية في مملكة البحرين انتهت من اعداد دراسة لتطوير المسار التجاري وربط مخرجات هذا المسار بحاجات السوق البحرينية والتنسيق مع سوق العمل في حين ان السوق البحرينية مازالت ترفض التعامل مع تلك المخرجات وتشكو من ذات العلة, ومن يقرأ البيانات التي اعتمدها المكتب كمؤشرات ادخلت على التعليم الفني السعودي او الكويتي لنفس العام يعتقد ان هناك فعلا نقلة نوعية جرت خلال السنوات الثماني التي تفصلنا عنها وانتجت لنا مخرجات يتهافت سوق العمل على تجاذبها بينما واقع الحال يؤكد عكس ذلك, يكفينا ما يدور من صراع بين سوق العمل والحكومات الخليجية من اجل اجباره على تقبل تلك المخرجات بكل ما أوتيت الحكومات من قوة, ترغيبا وترهيبا, تقابلها مقاومة مستميتة تستخدم فيها كافة انواع التحايل لرفض تلك المخرجات, وبعد رشفة اخيرة من ذات الفنجان اتساءل.. طيب وبعدين؟!