لاشك في ان القراء مشتاقون لمتابعة اكاذيب مونشهاوزن فاليهم هذه التي لا تقل عن سابقاتها.. ص31:
حدث مرة ان كنت اسير في بعض شوارع بطرسبرج الضيقة فاذا بكلب هائج مصاب بالصرع يتبعني ولم يكن معي من سلاح ادافع به عن نفسي. فلم يكن من ان اسرع الخطا ولكي ايسر على نفسي سرعة العدو نزعت معطفي والقيته على الكلب ليتلهى به فبذلك تتاح لي الفرصة لاهرب وهذا ما حدث، ثم التجأت الى باب مفتوح بينما اخذ الكلب الهائج ينفث غضبه في المعطف، عند ذلك تجمع الناس واخذوا يضربون الكلب حتى قتلوه ثم استخلصوا معطفي من بين انيابه وقد اصيب بتمزيق طفيف. ولما عدت الى البيت ارسلت بالمعطف الى الخياط فاصلح ما اصيب به من تمزيق، ثم اعاده خادمي الى مكانه في صوان الملابس.
في صباح اليوم التالي استيقظت على صياح الخادم الذي اخذ يولول قائلا: سيدي البارون! سيدي البارون! لقد اصيب معطفك بمرض الكلب فتبعت الخادم الى حجرة الملابس وهناك ويا للعجب! وجدت معطفي وقد اصيب بالكلب وحوله ملابسي التي هاجمها وقطعها اربا اربا. ثم رأيته امام عيني يهجم على حلة جديدة يحاول افتراسها واخذ في تمزيقها بوحشية كبيرة. فما كان مني الا ان ختمت هذه المأساة بطلقة من مسدسي وامرت بحرق هذه الملابس خوفا من ان تصاب كذلك بعدوى الكلب.
ويحدثنا انه بينما كان مسافرا عن طريق البحر في الباخرة رأى مجموعة من الحيتان تحوم حول الباخرة.. ص91:
كانت احداها من الضخامة بحيث اننا لم نستطع تقدير طولها حتى استعنا في ذلك بالمنظار المقرب واخذت هذه السمكة الهائلة تقترب منا شيئا فشيئا حتى اذا حاذتنا فتحت فما واسعا كالبوابة الضخمة فانحرفت سفينتنا نحو هذا الفم المفتوح بسارياتها واشرعتها وجميع ما عليها وكانت السارية الكبرى تبدو لنا بين الاسنان والانياب وكأنها عود ثقاب، ولا اظنكم تصدقونني اذا اكدت لكم ان مقامنا بين فكي هذه السمكة كان مريحا ممتعا، مع انكم تعلمون عني انه يستحيل علي ان اكذب او اغير الحقيقة.
وبعد ان مكثنا وقتا حيث كنا، فتحت السمكة فمها فاندفع الماء فجرف سفينتنا - ولم تكن مركبا صغيرا - الى جوفها، وهناك وقد امتنعت الرياح جمدنا في مكاننا اما الهواء فكان دفيئا مشبعا ببخار الماء لهذا لم يكن محتملا، اما الظلام فكان دامسا في هذا المكان الحبيس ولم تكن تنيره من وقت الى وقت الا اضواء بعض المشاعل التي لم يسطع نورها الا في دائرة ضيقة غير انها كانت تضفي على المكان بأسره شيئا من وقت الغسق، وهناك في جوف هذا الحوت وجدنا اكثر من هلب سفينة واحدة واحمالا من السلاسل الحديدية وقوارب وعددا لا يحصى من السفائن بعضها محمل بالبضائع وبعضها فارغ وجميعها قد وجدت طريقها الى بطن هذا الحوت.اما الشمس والقمر والنجوم فلم يكن من سبيل لرؤيتها في هذا المكان وكان البديهي الا يكون للنهار اثر في هذا العالم السفلي، وكان الماء الذي يطفح به بطن الحوت يتأثر بعاملي المد والجزر كما تتأثر بهما مياه البحر: ففي كل يوم ترتفع مياه المد ثم تعود الى الهبوط، فاذا ما فتح الحوت فمه للشرب تدفقت المياه واصبح جوفه وكأنه بحيرة "جنيف" اتساعا، فلا يقل محيطه عن ثلاثين ميلا ثم يأخذ هذا الماء في الهبوط شيئا فشيئا حتى اذا بلغ الحر حده مالت جميع السفن كما تميل في الماء الضحضاح الى ان يعود الماء ثانية فيحملها على متنه. فاذا كانت ساعة الجزر كنا نخرج على اقدامنا نتبادل الزيارة بيننا وبين غيرنا من المسجونين في هذا المكان، اما في ساعات الفيضان فكنا نستخدم صغار القوارب لنصل الى جيراننا، وقد علمت ان بعض هؤلاء قضى في هذا الحبس بضع سنين.وانني لا اكاد اعقل كيف ان هؤلاء الناس ارتضوا ان يعيشوا في هذا المكان اعواما طويلة دون ان يجدوا لانفسهم مخرجا، ولو انهم تمكنوا من فتح حفرة في جسم هذا المارد او انهم عملوا على القضاء عليه بتخريب صمامات قلبه لتمكنوا من الخلاص. ثم انني اجتمعت بمقدم سفينتنا واخذت واياه نتباحث فيما اذا كان من الميسور ان نربط عدة من السواري معا، فاذا فتح الحوت فاه ثبتناها بين فكيه حتى يمتنع عليه قفله. فلما انتهينا الى هذا الرأي تخيرنا سبعة من كبار السواري وحزمناها معا ثم تخيرنا مائة من الرجال الاشداء ليكونوا على استعداد حتى اذا فتح الحوت فاه ثبتوا هذه السارية بين فكيه فمنعوا لسانه الهائل من الحركة ومنعوا فكيه من الانطباق ثانيا. وهكذا تحررنا من ذلك الحبس الكريه. وبعد: فان الكتاب المحتوي على 160 صفحة مليء بهذه الحكايات التي تقترب جدا من الخرافات والاباطيل التي لا اساس لها من الصحة الى درجة انها لا توجد حتى في عالم الخيال. والغريب في الامر انه لا المؤلف، رودلف اريك راسب، ولا المترجم احمد عطية الله قد وضع تفسيرا للدوافع التي ادت الى وضع هذا الكتاب والاغرب ان الهيئة الاستشارية لمشروع الكتاب للجميع قد اجازت نشر مثل هذا الكتاب التافه معنى ومبنى ولا ادري ما الهدف من ذلك. فهل تصور الاخوة الاعضاء انهم بنشر مثل هذا الكتاب ووضعه في متناول القارئ العربي يستطيعون ان يلحقوا بركب العولمة الذي حملت رأيته الولايات المتحدة، ام انهم يودون ان يوصفوا بانهم متطورون قد نسفوا الجمود والرجعية وراء ظهورهم؟
ان القارئ العربي ليس في حاجة لمزيد من الاكاذيب حيث ان التاريخ الاسلامي قد الصق به من الاكاذيب مالا يستوعبه العقل الواعي (الف ليلة وليلة مثلا) وغيره من الكتب التي كرست لتصوير العرب والمسلمين بانهم غارقون في التفاهات ومع الاسف ان هذه الصفة لم تكن خاصة بالتاريخ القديم بل ان التاريخ الحديث تميز بسرعة نشر الاكاذيب عبر وسائل الاعلام التي تعتمد في مصادرها على الوكالات الاجنبية. بينما نحن في المرحلة الراهنة في حاجة الى الصراحة والوضوح وابراز الحقائق لان الاستمرار في نشر الاكاذيب قد دمر الكثير من الوعي الذي تقوم عليها المجتمعات التي تحاول النهوض من كبوتها لتقف موقف الند للند امام المؤامرات التي تستهدف كرامتها وعزتها.