كثير هي مظاهر اصابتنا كشعوب عربية اسلامية بآفة الانفصام والازدواجية, لكنني اليوم وقفت عند واحدة من تلك المظاهر اصادفها كثيرا واعايشها في ردود القراء, واستغرب حقيقة عدم انتباههم لتلك الظاهرة وهم يكرسونها بشكل واضح في كيفية قراءتهم ثم يكرسونها في ردودهم التي يعلقون بها على ما اكتب. فبعض القراء لا يتورع حين اتهامي مثلا (بالتعميم) في كتاباتي ان يستخدم نفس مسطرة و آلية التعميم التي اتهمني بها و بدم بارد, فأنا في نظر هؤلاء القراء احارب الاسلام!! هكذا بالمطلق و بالتعميم, و من اين استقوا ذلك الحكم؟ من كتاباتي التي هي ضد كل الجماعات الاسلامية (هكذا ايضا بالتعميم) فلا(بعض) ولا يحزنون بل كل الجماعات .. فهل انتهى تعميمهم الى هنا؟ لا .. هناك تكملة تقول .. فبالتالي هي ضد جميع المسلمين (من جديد كل المسلمين؟) وكان كل المسلمين ينضوون تحت قيادة تلك الجماعات او تلك الجمعيات! فلا عجب ان يخرج الاستنتاج الناجم عن هكذا قراءة لابد وان يكون بالتأكيد وبما لا يحتمل الشك ان كتاباتي عبارة عن اعلان حرب على (الدين الاسلامي)!!
الله .. ما اسهلها من حسبة بسيطة وسهلة, .. ثم ما اسهله من استنتاج, و ما اسهلها من احكام لا ينقصها سوى اقامة الحد, ولم الجهد اصلا والاجتهاد والتهم وحتى تنفيذ الحكم هذه الايام (على قفا من يشيل)؟ ثم من سيحاسب؟ الحكومة؟ يا عم خلها مستورة هي اصلا ضمن قائمة المتهمين.
عدا تلك الازدواجية في التعامل مع انفسنا ومع الاخرين, فاننا بحاجة فعلا الى ان نقف دقيقة, لنفكر جديا في غدنا كيف سيكون, والى التمعن في الكيفية التي سننتقل فيها من المربع الصفري الذي اكتشفناه قبل اربعة قرون ووصلنا الى الالفية الثالثة دون ان ننتقل منه؟ اننا بحاجة للنظر في ضعفنا وفي وهننا وأخطائنا, من قال ان ذلك سيكون ابدا جلدا لذاتنا؟ من قال انه خطر علينا؟ من قال ان تلك هي مهمة اعدائنا؟ بل انها والله شجاعة منا ان فعلناها, ليكن التقويم والتصحيح بايدينا لا بأيدي غيرنا, انما لابد اولا ان ننظر الى ما اقترفته تلك الايدي, اين تقع مسئوليتنا واين تقصيرنا تجاه بعضنا بعضا قبل ان يكون تجاه الآخرين؟.
نحن لا نقبل ان يقال عنا اننا مخطئون, وان قبلنا فتجملا ومرورا مرور الكرام ومن باب ابراء الذمة لا اكثر ولا اقل, ننظر فيما اخطأ الآخرون بحقنا بتمعن وبترو و (نفصفص) هذا الخطأ ونمحصه بدقة وجرأة, انما لا نجرأ ابدا للنظر الى خطئنا, جديتنا في تقويم انفسنا تذوب عند اول نظرة حادة لدواخلنا, فنعود لحماية انفسنا بالتبرؤ من تلك الاخطاء وتسفيهها و التقليل من شأنها بل وحتى يصل الامر بنا لمحاربة من يشير اليها, وبالاسراع بالقائه في خانة الاعداء المحاربين, ولم العجب؟ فهذه العقلية لا يتبناها شباب متحمس لخدمة الدين تشفع له حماسته وحداثة سنه, بل هذه عقلية يتبناها كبار المفكرين الاسلاميين, واذكر منهم د.محمد عمارة حين قال في ندوة في البحرين, ان من شأن التركيز على نقاط ضعفنا وعلى اخطائنا التاريخية التأثير سلبا على درجة ايمان شبابنا و ممكن ان تهتز عنده الثوابت وهذا خطر نخشاه خاصة في هذا الوقت الذي تكالب فيه الاعداء علينا من كل صوب! وذلك في معرض رده على دراسة في فكر د. محمد جابر الانصاري الداعي الى اعادة النظر في كتابة تاريخنا و عدم اهمال اخطائنا و تجاوزها عمدا, فان كان هذا ما يراه نخبة مفكرينا فما الذي نرتجيه من شبابنا وهو في اوج حماسه واندفاعه؟!
من يلومهم ان بحثوا عن المدينة الفاضلة؟ من يلومهم ان صدموا بابتعاد مجتمعاتهم عن تلك المدينة وحجم المسافة التي تفصله عنها, من يلومهم ان هم انعزلوا وانكفأوا حين يلتفتون فلا يجدون أثرا لتلك المدينة الا في كتب تاريخية؟! من يلومهم اذا اصطدموا اليوم مع كل داع للإفاقة, لاعادة النظر, للبحث عن الحقيقة؟ من يلومهم ان لم يروا في تلك الدعوة التجديدية سوى محاربة الدين والمسلمين, لانها تعني بالنسبة لهم ببساطة دعوة للتخلي عن (حلم) ما عادوا يملكون غيره؟ فمن يتحمل مسئولية هذا الانفصام عن الواقع؟
*(كاتبة بحرينية)