أليس غريبا ان تفاجأ بأشخاص رغم انك سمعت عنهم.. وذلك عندما تراهم.. رغم ماسمعت وقرأت عن هذا الرجل الكبير الا ان كل ذلك لم ينجح في ان تباغتني المفاجأة والدهشة منذ ان طل علينا الى ان صحبناه الى بوابة مقره للخروج.. دعني اضعك في المعنى قبل ذلك..
هذه الامة تعاني ضعفها الاكبر وتواجه مصيرا ترى نذره المظلمة تلوح في الافق القريب, وهي تحاط بأشرس عداوة كونية منذ ان وعي تاريخها تجربة العداء.. وتظلم لذلك النفوس, وتنعصر الآمال, ونتفقد الطريق على اننا لاندري اين نضع اقدامنا؟ ولا ندري اين الطريق؟.. دائرة من الترقب القلق انقذفنا داخلها ولا ندري كيف الخلاص؟.
على ان كبار النفوس يخرجون رغم الظلمة وتنمو أفعالهم رغم ضغوط الاندحار والتقهقر.. كبار يخرجون ويناضلون يقويهم العزم الذي لا يهدأ وتكاد احلامهم تلامس حدود اليأس.. لولا انهم ينظرون الى السماء وفي فجر كل يوم يعززون طاقة العمل بالتواصل مع الله..
هذا مارأيت يوم هيء لنا ان نلتقي بسمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي - الدكتور ابراهيم التويجري المسئول الاول عن منظمة التنمية الادارية وانا ونحن نحضر مؤتمر ادارة البيئة الذي اقيم في امارة الشارقة - وانا اقول لكم اني مثل غيري سمعت وقرأت عن الرجل وعن حلمه لتكون الشارقة منارة سابغة الضوء للفكر الاسلامي العربي المنفتح على العالم, في وسط هذا البحر الصاخب... دخل الشيخ علينا في مجلسه وتحيطه علائم الرضا الذي لا يعترف فيه بسهولة وتجلله هذه المسحة البسيطة المنيرة التي تضيء وجه العارفين.. حدثنا عن احوال الأمة وكان حديثا يخرج من القلب المهتم ليصل الى القلوب المترقبة وكان وصفه مشهد التفسخ في وسائط الاعلام وفي بوادر المجتمعات وصفا يصنع تصورا محرجا للواقع يجعلك تضج انتقادا لذاتك قبل كل شيء. على ان نبرة الشيخ كانت تنبع حرى وهو يشرح جراح الأمة ويتهدج صوته العميق وهو يعيد دعاءه كل اشراقة شمس هذا الدعاء الذي يتلمس فيه مدد السماء.. وقد بهرنا هذا الايمان الذي يجبل كل رؤية الشيخ وفي كل مايفعله.. على انه كان واجبا علينا ان نعبر له عن انجازه الكبير لإمارة الشارقة وقلنا انها شقت طريقا ساطعا مصمما وشجاعا لإيجاد المجتمع الذي يريده الشيخ, وهاهي تبحر في صفاء الى اشراقات الفكر والحضارة والاخلاق في انه طريق مضوا فيه ولم يعد الشيخ يلتفت الى الوراء بل هو يريد من ربه عقدا من الزمن ليكمل مابدأ.. قلنا متحرين الاعجاب الصادق ان الله لما يرسل في قلب رجل مهمة اصلاح فهو يهبه الوقت الكامل لذلك.. وطالعنا الشيخ في نظرة رجاء.. وقد فوجئنا بعلمه الواسع ولقد خرجنا منه في ساعة من الزمن بزاد مليء في مواضيع قالها بشرح خاطف عن علوم الهندسة المعمارية وعن هندسة الزراعة وعن مناحي الادب المشاع الذي يريده للجميع وطاف بنا بمقاهي الفكر في مصر وارتقى بنا الى خططه ومشاريعه المتنوعة والى طرق القيادة في المجتمعات المدنية.. قلنا خاطفة ولكنها كانت مركزة غاية التركيز..
يقول لنا الرجل الكبير انه مولع بالكتب ويجمع المخطوطات وعنده خزائن من المخطوطات.. وختم بقول رفيع معبر مختصر: (تعالوا واغرفوا).
يقول الدكتور القاسمي اظنه ذكر عن اندريه مالرو ان الفكر مثل شجر الصفصاف يشمخ واقفا الى الضوء.. ويقول من عنده ان مسالك السياسية متعرجة كمسار الحية..
خرج الدكتور القاسمي وعندي انه نخلة سامقة لا تكتفي الا بنور السماء!