تأثرت المرأة على مر التاريخ بالتطور الحضاري الذي يخضع له المجتمع الذي تعيش فيه فكانت تنهض بنهوضه وتسقط بانحداره فتؤسر وتسلب إنسانيتها وحقوقها كحق التعليم والمعرفة والتعبير عن الرأي والخطير في ذلك استخدام اسلوب (لا تقربوا الصلاة) في تفسير بعض الآيات القرآنية كآية القوامة ولو اخذت الآيات في سياقها لما تعرضت المرأة لما تعرضت له من الحجر والظلم والاضطهاد والاستهانة بآرائها او افكارها ورغبتها في المعرفة وتطلعها نحو الاكمل ولا نقول الكمال لان الكمال لله لم يمنح رجلا او امرأة.. فالقوامة مسؤولية وتكليف من الله جاء في لسان العرب:(قيم المرأة زوجها لانه يقوم بامرها وما تحتاج اليه، وقام بامر كذا، وقام الرجل على المرأة مانها. وانه لقوام عليها مائن لها، وفي التنزيل: (الرجال قوامون على النساء) وليس المراد ههنا - والله اعلم- القيام الذي هو المثول والتنصب وضد القعود انما هو من قولهم قمت بامرك فكانهم والله اعلم الرجال مكلفون بامور النساء معنيون بشؤونهن لقد حمل الرجل مسؤولية المراة بما فضل الله بعضهم على بعض و هذا التفضيل لا يعم الرجال كما لا يعم الانفاق كل الرجال فليس كل رجل من حقه ان يفضل على كل النساء، ولا يستوي الرجل الجاهل مع المرأة العالمة وقد رفع الله الذين اوتوا العلم درجات، ولا يستوي الرجل الكافر مع المرأة المؤمنة و لا يستوي السفية مع العاقلة ولا يحق لكل هؤلاء ان يكونوا قوامين على النساء وليس لهم حق الطاعة لان حكمهم في هذا الحال سيؤدي الى ضياع ما منح الله المراة من حقوق وعدم تحقق العدل الذي نادى به الاسلام هكذا وجدنا المرأة ترتد في عصور الانحطاط الى القاع فالرجل الذي فقد حريته وقدرته على التمييز مع الجهل قد كبل المراة وكتم صوتها و قص اجنحتها كي تبقي في يده وكي لا يسمع الا صوته. سلبها حق التعليم الذي ينمي قدراتها العقلية وينمي شخصيتها بانفتاحها على الكون وعلى قضايا الفكر والمجتمع و يحررها من الاوهام ومن المواقف الانفعالية ومن الانقياد للافكار الضيقة ويجعلها مستقلة برايها.لقد حكم على المراة في عصور الانحطاط ان تفكر بعقل سواها هذا العقل الذي لا يرى في المراة الا جسدا عليها ان تعرف كيف تجعله فاتنا مغريا رائجا في سوق الزواج، فانشغالها بجسدها وملابسها وزينتها لا حاجة لعقلها لا قيمة لذكائها.وكما يتأثر حال المرأة بانحدار المجتمع فانه يتأثر بتطوره ورقيه فالنهضة لا يمكن ان تكون نهضة حقيقية الا اذا عمت المجتمع بشقيه الذكوري والانثوي ادرك هذه الحقيقة مؤسس حضارة المملكة المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز فالاصلاح التعليمي الذي احدثه انعكس على وضع المرأة في المملكة واول الخطوات التي نجدها فعالة في ذلك محاربة الجهل والتفكير اللاعلمي الذي لا يستند الى اسس منطقية ودينية ومن ثم تمكن من تحديث الفكر قبل تحديث التعليم ونذكر هنا ما واجهه مع ابناء شعبه لتعليمهم اذ اتخذ القسر وسيلة عندما لم ينجح الاقناع ومواجهته لعلماء الدين النجديين سنة 1347هـ - 1927م الذين احتجوا على ادارة المعارف في مكة لانها قررت في برنامج التعليم اولا تعليم الرسم وثانيا تعليم اللغة الاجنبية وثالثا تعليم الجغرافيا التي منها دوران الارض وكرويتها، فبعد ان رفعت اليه مناقشة مدير المعارف ومستشاره والعلماء كان قراره ليس في موقفهم دليل ديني يصلح الاعتماد عليه وانه لذلك لا يوافقهم على رأيهم و يأمر بأن يستمر تعليم اللغات والجغرافيا كما كان.
وقد انعكس هذا الموقف الحضاري من التعليم على وضع المراة بكثرة المدارس التي تعلم البنات في الرياض خاصة كما اشار مؤلفا (عبدالعزيز والتعليم).
وقد استمر الاهتمام بالنهضة التعليمية الى اليوم مع خادم الحرمين الشريفين وانشئت الكليات والجامعات التي سمحت للمرأة بممارسة حقها الانساني في التعليم مستنيرة بهدى السنة النبوية الشريفة التي منحت المرأة هذا الحق ومع الموقف الحضاري للدولة نجد المجتمع في بعض المناطق يحظر على المرأة ان تدلي برأيها او ان تساهم بمشاركة ابداعية مهما كانت قيمتها العلمية وفي هذا الجو المتحفظ تبدو تجربة مشاركة المراة في اثنينية النعيم جريئة ومتميزة ومنصفة لانسجامها مع التعاليم الاسلامية التي عهدناها في المجتمع الاسلامي في ذروة التزامه بالعقيدة والخطة التي رسمها ممدن المجتمع السعودي ومؤسس حضارته المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز لنهضة التعليم في المملكة والتي سار عليها اصحاب الجلالة من بعده.
لقد اعادت اثنينية النعيم للمراة حقا مستلبا عندما سمحت لاديبة احسائية بالانضمام اليها تحت اسم فتاة من الشرق تولى احد اقاربها عرض اعمالها نيابة عنها في الاثنينية و كذلك احتفلت الاثنينية باعمال الاديبة المصرية نوال مهني خلال موسم العام الماضي وشاركت عبر الهاتف بقصائد عديدة وسوف تحتفي الاثنينية خلال هذا الموسم بأعمال الاديبة الاحسائية والقاصة الكبيرة بهية بو سبيت ويبدو ان كثيرا من اعمال الاديبات سترى النور في الاثنينية لنطلع على لغة جديدة تحمل فكر المرأة و حسها دون ان تخرج عن القيم والعادات التي تتفق مع الشريعة الاسلامية ولا غرابة في ان تصدر هذه المبادرة عن آل النعيم وهم قد اسسوا اول مدرسة في الاحساء اذ يذكر التاريخ ان المدرسة الاولى التي كانت موجودة في الاحساء سنة 1343هـ مدرسة النجاح التي افتتحها الشيخ حمد النعيم في حارة النعاثل بالهفوف ليعلم فيها ابناء اسرته وجيرانه مبادىء الكتابة والقراءة وقواعد الحساب فلما كثر التلاميذ اتفق مع عبدالله القصيبي على ان ينتقل مع تلاميذه الى محلة القرن وافتتح هناك مدرسة جديدة اكثر اتساعا وقد تشرفت المدرسة بزيارة جلالة المغفور له عبدالعزيز في رمضان من سنة 1348هـ في اثناء زيارته التفقدية للاحساء وكانت هذه الزيارة حافزا قويا على الاهتمام بالتعليم الذي كرمه جلالته.
فهل تحذو المجالس الادبية في الاحساء حذوه؟
@@ د. فاتن خليل محجازي
