ينطلق حبل السواني مشدودا, فيتدفق من غربه ماء الحياة المنعش, ويروي ارضا تستعصي على الجدب, وتنتج للحياة رونقها وبهاءها الموشح بتاريخ البطولات, حتى تنتصر البسمة على الدمعة, ويزغرد الكون باهزوجة الماضي الممتد للحاضر والمستقبل: جنادرية, جنادرية..
الجنادرية ذاكرة للوفاء, تعيد لوعينا المكدود تاريخا وحضارة بناها (رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه).
الجنادرية ملحمة حضارية تعيد لنا تفاصيل الحياة الاولى لتاريخ هذا الوطن ورجالاته.
كسحابة غيث اتت جنادرية هذا العام محملة بروائع الفكر الانساني, ذلك انها تقتنص الزمن الهارب, وتقدمه بديلا رائعا لازمنة العولمة الجديدة ـ القاهرة للانسان على حساب المادة ـ ويكون انسان الجنادرية هو الانسان المسلم الذي يكدح على هذه الارض, ويسعى لاعمارها, ولاقامة خلافة الله فيها على هدي من الله تعالى, وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
احمد بن علي آل الشيخ مبارك, العلامة الفارقة في تاريخ الثقافة العربية في المملكة عامة, وفي الاحساء خاصة: ذلك انه رجل عاصر التحولات الكبرى في تاريخ البلاد السعودية حرسها الله, وهو من الرجالات الاول الذين بذلوا قصارى جهدهم في خدمة الدين والوطن, ومن كان يتصور ان شابا في هذا الزمن الرغد لو عاش ازمنة الجوع والتعب هل سيفعل مثل مافعله ابن المبارك؟ لقد كان الشيخ احمد يحمل في طياته منذ الصغر امارات حب العلم والادب! وقد يقال هذا عن غير الشيخ, لكنه امتاز بالتضحية التي تنتج عن حبه الحقيقي للعلوم والمعارف, تلك التضحية المتمثلة في خروجه عن طوق الطفولة مبكرا, ليلبس ثوب المسئولية التي فرضها على نفسه, ذلك ان الشيخ احمد عاش حياته الاولى في حضن واحة هي وسط مابين الصحراء والبحر, وبحكم مايعترى الواحات من سمات الركود والدعة والرضا بالقليل, فقد كانت الافاق البعيدة حلما يراود ذلك الفتى, فتحمل الصعاب, وعبر البر, والبحر ليتحصل على معلومة, او يلقى عالما, او اديبا.
لقد خرج الشيخ احمد على الانساق المعهودة في زمنه, فلم يرض بالمكوث في الواحة الامنة ويقنع منها باليسير, بل انفت نفسه لخوض الغمار, ومعانقة الافاق, وارتياد المجهود من البلدان والمعارف, فكان توفيق الله حليفه ليعود مظفرا ويقدم خبرته في بناء هذا الوطن من خلال مناصب عديدة تقلدها, فكان مديرا لتعليم جده, وكان قنصلا ثم سفيرا لاكثر من دولة منها غانا, والبصرة, والاردن, وقطر.
وان انس فلا انسى الهدية الكبيرة التي قدمها الشيخ لمسقط رأسه (الاحساء) عندما القى عصا التسيار, اذ فتح قلبه وبيته لادبائها ومثقفيها ومفكريها, واستضاف اهم اعلام المعرفة في المملكة العربية السعودية فصار بيته بيتا للثقافة, وناديا ادبيا قدمت في عصارة التجارب الادبية والفكرية والتاريخية, والكلام في هذا يطول لكن حسبك بأديب من رواد الادب وهو الشاعر يوسف ابو سعد يرحمه الله الذي ادرك النقلة التي احدثتها احدية الشيخ احمد للحركة الثقافية في الاحساء خاص, والمملكة عامة فقال ذلك في مجموعته الكاملة الى شيخ ادباء الاحساء, وعميد الاحدية المباركية الشيخ احمد بن علي آل الشيخ مبارك, الاديب الكريم الذي فتح قلبه ومنزله محتفيا بمن يستهويهم الادب الملتزم, والفكر الصافي الممتاح من مناهل الثقافة الاسلامية, والمنطلق في تصوره للانسان والكونه والحياة من ثوابتها الخالدة اهدي هذه المجموعة تقديرا لما له من جهد ملموس في ادب المحافظة وادبائها حتى عاد ماؤهما الراكد الى الجريان من جديد كما كان من قبل. سمير عبدالرحمن الضامر