تعتبر المدرسة من أهم وكالات التغير الاجتماعي في اي مجتمع ومن خلالها تنبعث الافكار وتنتقل بواسطة التلاميذ والطلاب الى الاسرة والمجتمع. ولذلك فان المدرسة لابد وان تكون مرآة تعكس كل ما هو جديد الى كافة الافراد في مجتمعهم الكبير. والمدرسة التي تضطلع بهذه المسئولية فلابد ان تكون مؤسسة يتمتع منسوبوها من اداريين ومدرسين بكل القدرات الفكرية والتأهيل المتميز لكي يتمكنوا من الاخذ بيد الناشئة الى كل ما هو جديد ممتع وفي صالح المجتمع العام.
ان المدرسة لم تعد وظيفتها تعليم القراءة والكتابة بل بناء شخصية الطالب من جميع جوانبها السلوكية والخلقية والفكرية والعلمية اضافة الى ذلك فان المدرسة التي تحتضن ـ بالاضافة الى ادارييها ومدرسيها ـ نخبة من التلاميذ والطلاب من ذوي الطموحات العالية والهمم القوية الذين يبذلون كل الجهد في طلب التحصيل وشحذ الاذهان للتفكير المبدع الخلاق.
واننا اذا ما اقتنعنا بان مدارسنا تتمتع بكادر اداري جيد ومدرسين اكفاء، فهل البيئة الفيزيقية للمدارس المتوافرة الآن لأبنائنا تقود الى مخرجات تعليمية متميزة؟ الكل يتعاطف مع وزارة المعارف التي تعمل جاهدة على توفير هذا النموذج المطلوب من المدارس، ولكن مع كل الجهود المبذولة فان العديد من المدارس هي بيوت وفلل مستأجرة ولا ترقى الى المستوى المطلوب للعملية التعليمية التي تحقق آمال الامة. فأغلب هذه المدارس المستأجرة والكثير من نماذج مباني المدارس الحكومية (مع تكرار تعاطفنا مع وزارة المعارف التي تعاني عاما بعد آخر تزايد التلاميذ والطلاب وبنسب قياسية حيث تعتبر المملكة العربية السعودية من اكثر الدول زيادة في السكان) لا تتناسب مع فكرة ومدرسة المستقبل، ولكن مهما كانت الظروف والضغوط فلابد من البدء في استراتيجية طويلة المدى لتوفير نموذج المدرسة الذي يجيب عن تطلعات الاسرة التعليمية، واذا ما استمر الحال على ما هو عليه فبلا شك سينعكس ذلك سلبا على جميع الاطراف من ذوي العلاقة، ومن اهمها وزارة المعارف بصفة عامة والعاملين في المدارس بصفة خاصة وذلك للأمور التالية:
1 ـ ان عدم وجود البيئة المناسبة في المدرسة من حيث المرافق، بلاشك يتسبب في نوع من الاحباط لمدير المدرسة الذي دائما ما يتطلع الى ان تكون مدرسته متوافر بها جميع المرافق والاجهزة والمعامل والفناء والملاعب وكادر من المدرسين المتميزين الذين يباشرون اعمالهم بالجدية المطلوبة.
2 ـ المدرسون: ان مدرس المستقبل هو استاذ مشاع يكون بامكانه تدريس اغلب المواد، ولن يكون حكرا على تدريس مادة معينة، واذا كان هذا هو مطلبنا لنوعية المدرس فلابد من توفير كل ما تتطلبه العملية التعليمية من فصول متسعة ومريحة ومختبرات ومكتبة ووسائل تعليمية متعددة من حواسيب ومعدات لعرض الافلام والشرائح وغيرها تساعده على قيامه بمهامه على افضل وجه ممكن.
3 ـ التلاميذ والطلاب: ان عدم وجود البيئة المدرسية المناسبة كما هو الحال في اغلب المدارس المستأجرة التي تفتقر في اغلب الاحيان الى الملاعب والساحات ناهيك عن ضيق الغرف الدراسية يثير لدى التلاميذ والطلاب سلوكيات عدوانية بالاضافة الى ان هذه المباني غالبا ما تكون محدودة الغرف الامر الذي لا يمكن معه تأمين وجود مكتبة للدراسة الحرة، كما ان عدم وجود الوسائل التعليمية المناسبة من حاسبات وغيرها قد لايمكن التلاميذ من استغلال جميع قدراتهم واستعداداتهم في الحصول على اكبر قسط ممكن من المعرفة، ولذلك فانه يتوجب اتخاذ استراتيجية طويلة المدى لتشييد مبان مدرسية تتناسب مع تطلعات الدولة ووزارة المعارف ومنسوبيها من مديرين واداريين ومدرسين وتلاميذ وطلاب والتي تأخذ بعين الاعتبار نموذج مدرسة المستقبل التي تعرف بأنها (مؤسسة تربوية يقودها مديرها من خلال فريق تربوي مؤهل يمارس دوره تخطيطا وادارة بمستوى من الاستقلالية يتيح تحقيق الاهداف المنطلقة من سياسة التعليم في المملكة ضمن أطر من المسئوليات في ضوء منهج متكامل مرن منبثق من شريعة الاسلام متوائم مع روح العصر بواسطة احدث واجدى طرائق التعليم التي تحقق الشراكة مع المعلم المدعومة بتقنيات التعليم الحديثة، في ظل نظام محكم من التقويم والمساءلة ومشاركة المجتمع، من اجل اعداد جيل مسئول قادر على تطوير ذاته، مؤهل لمتابعة نوا تج الحضارة العالمية والمشاركة فيها)، علما بان الاحصائيات وفقا لمجلة المعرفة لعدد 85 ربيع الآخر 1423هـ تدل على ان عدد الطلاب في التعليم العام سيصل الى 12 مليونا في عام 2050م وان عدد سكان المملكة سيصبح 67 مليون نسمة، وان 20% من سكان المملكة سيكونون في مكة وجدة والرياض وان نسبة الهجرة من القرى الى المدن ستصل الى 100% واذا ما اخذنا هذه الارقام كمؤشرات حول زيادة الطلب على المدارس تتضح اهمية الاستراتيجية لبناء المدارس، ولعل البدء بها من الآن امر حتمي.. والله الموفق..
*وكيل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن للشئون الاكاديمية