منذ زمن طويل والجدل حول الغاء عقوبة الاعدام حامي الوطيس.. رفع وتيرته اخيرا علماء قانونيون.. وجزائيون.. ومفكرون.. ومنظمات حقوق الانسان (منظمة العفو الدولية) بصورة لافتة.. بين من ينادي بالغائها.. ومن يطالب بالابقاء عليها.. ومن المؤسف ان الاكثرية - منذ اثارة الجدل حول هذه القضية حتى يومنا هذا. تميل الى الغاء عقوبة الاعدام في حين ترى الاقلية الابقاء عليها في اضيق الحدود مما حدا ببعض الدول الى الغاء عقوبة الاعدام والاكتفاء بالسجن المؤبد والافراج فيما بعد لـ (حسن السيرة والسلوك)!!
@ لم يكن الغاء عقوبة الاعدام في عدد كبير من الدول بدوافع انسانية محضة او استجابة لضغوط دولية او اقتراحات (مفكرين) بل لاسباب سياسية وحزبية فالنمسا ألغت عقوبة الاعدام عام 1945م وهي التي انضمت الى النازي عام 1939م ومارست ابشع انواع الاضطهاد على الطريقة النازية وبمقتضى فلسفتها العنصرية.. وبريطانيا ألغت عقوبة الاعدام عام 1965م بعد ان علقت على مشانقها الآلاف في مشارق الارض ومغاربها.. وحققت الارقام القياسية في استخدام المشنقة اداة سياسية في مستعمراتها. اما المانيا فقد ألغت العقوبة عام 1949م وكان طبيعيا ان تتسم قوانينها بالسهولة والمرونة لتشجيع الآلاف من الاجانب للعمل في بناء المانيا.. ويصدق على البرتغال ماذكر عن بريطانيا فدولة الكشوف الجغرافية صاحبة احقر واحط انواع التعذيب الذي عرفته البشرية, فهي اولى الدول الاوروبية بيعا للرقيق, ولا حاجة لشرح ماوراء ذلك من قتل وانتهاك وتعذيب.. وظلت العقوبة سارية حتى عام 1967م.. وكانت تطبق في انجولا.. وموزمبيق,, وغينيا بيساو لاسباب سياسية!! ودول اسكندنافيا.. السويد.. والنرويج.. والدنمرك.. وفنلندا.. وايسلندا تم الغاء العقوبة فيها بعد ما تقلص التهديد الاجرامي الى اقل نسبة في العالم بينما ألغيت العقوبة في سويسرا ضمن مخطط عام لاكساب الدولة سمة المسالمة.
@ ولايطاليا قصة تجمع بين بريطانيا والبرتغال من ناحية.. والمانيا والنمسا من ناحية اخرى.. فهي تشبه بريطانيا والبرتغال في انها كانت تهيمن على مستعمرات في الحبشة والصومال وليبيا, وتشبه المانيا والنمسا باعتبارها طرف المحور الجنوبي في اوروبا وقدعاشت تحت حكم موسوليني زعيمها الاوحد لاربعة وعشرين عاما.. كانت إيطاليا رمزا قمعيا رهيبا.
صاحب اقتراح الغاء القصاص يجهل او يتجاهل الفرق بين الحدود والتعزير فالحد هو العقوبة المقدرة شرعا وتشمل حق الله سبحانه وتعالى كالزاني ونحوه وحق الانسان كالقصاص وما في حكمه و(مامن حق للعبد الا ولله فيه حق) وجرائم الحدود حصرت في الشريعة في سبع (الزنا، القذف، تناول الخمر، السرقة، الحرابة، البغي، الردة) اما القصاص والدية فهي: (القتل العمد، القتل شبه العمد، القتل الخطأ، الجناية على مادون النفس عمدا، الجناية على مادون النفس خطأ) والتعزير هو عقوبة غير مقدرة وامره متروك للحاكم بحسب حالة المجرم والجريمة وعقوبته قد تكون بالجلد او الحبس او النفي او غير ذلك .
@ ولا يجوز تعطيل اقامة الحد لابشفاعة, ولا عفو ولا هبة ولا غيرها متى ماوصلت القضية الى الحاكم.. كان صفوان بن امية نائما على رداء له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء لص فسرقه, فأخذه فأتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يده, فقال: يارسول الله اعلى ردائي تقطع يده؟ انا اهبه له. فقال: (فهلا قبل ان تأتيني به تركته)؟ ثم قطع يده رواه اهل السنن.. اما الردة فهي ترك دين الاسلام.. والعودة الى الكفر.. جاء الحديث عنها في القرآن الكريم في اكثر من اية لاظهار خطورة هذا العمل.. والتحذير منه منها قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة (217) وقد وردت عقوبة المرتد في حديث شريف رواه الامام مالك في الموطأ عن زيد بن اسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غير دينه فاضربوا عنقه) وللحديث شواهد في صحيح البخاري وابي داوود.. والنسائي وغيرها.
@ ومن الثابت ان الردة تحدث باوجه كثيرة تتصل بالاعتقاد بالكفر.. وقول.. وممارسة ما يؤدي اليه.. وجحد ماعلم من الدين بالضرورة.. وجحد وانكار وجوب تطبيق الشريعة الاسلامية او الشك.. والتشكيك في صلاحيتها (كما يخرج عن الملة كل من حكم بغير ما انزل الله علما.. واعتقادا بأن حكمه افضل من الحكم الذي انزله الله) لقوله في محكم كتابه: (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة (44).. وجاء في (المغنى والشرح الكبير): (اجمع اهل العلم على وجوب قتل المرتد وروي ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وابي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم ولم ينكر ذلك فكان اجماعا.. وان المرتد لا يقتل حتى يستتاب ثلاثا وهذا قول اكثر اهل العلم).
@ ينتصر المفكر في اقتراحه.. للقاتل ضد المقتول.. وللنظام ضد المظلوم مايعني ان ينفذ القصاص ولي.. او اولياء الدم.. وهذا امر يعيدنا الى شريعة الغاب.. وعصر الجاهلية وهو مايحدث كثيرا ليس خارج المحاكم فقط بل عند النطق بحكم مخفف على قاتل.. او مغتصب.. واتساءل: اي (عدالة) هذه التي يطالب بهاهذا (القانوني)؟! ام هي نزعة (خالف تعرف) المتأصلة في بعض النفوس الضعيفة؟! لن اتوقف عند استخدام (المفكر) اصطلاح (الاسلام السياسي) باعتباره صناعة غربية لاتمت للاسلام بصلة مثله في ذلك مثل (الاسلام الراديكالي).. و(الاسلام الاصولي).. و(الفاشية الاسلامية).. وغيرها كذلك اتجاوز ادعاءه بان (سلطة العفو عن القاتل للملك او الامير او رئيس الجمهورية.. لسبب بسيط يتمثل في ان كل من ينتمي الى الاسلام عقيدة وشريعة يعلم ان حق العفو خاص باولياء الدم وليس من حق الحاكم ان يعفو لانه (ليست له ولاية اسقاط حقوق العباد).
@ قضت محكمة فرنسية بسجن الممرضة (كريستين ماليفر) الملقبة بـ (ملاك الموت) لمدة عشر سنوات لانها انهت حياة ستة مرضى كانوا يتلقون علاجا في مستشفى (مانت لاجولي) بعد ان ثبت للمحكم قيامها بالقتل العمد مع سبق الاصرار والترصد وفي عام 1996م حصد مجرم ارواح ستة عشر طفلا بريئا في اسكتلندا فحكم عليه بالاستضافة عزيزا مكرما في احدى المصحات النفسية رغم اجماع ذوي العلاقة ان المجرم (اعقل) من القاضي ذاته!! انموذجان صارخان من (العدالة) الوضعية التي يطالب بها (المفكر).. و(القانوني) السوداني المقيم في (قطر)!
@ ان من مقاصد الشريعة الاسلامية اصلاح الفرد والمجتمع ولا يتحقق هذان الهدفان في غياب التطبيق الصارم لاوامرها واحكامها اعتقادا وعملا في العقيدة والعبادة والاخلاق والمعاملات وهي شريعة الله كتابا وسنة وليست صناعة بشرية كالقوانين الوضعية التي لم تصل الى كمال الشريعة نتيجة للقصور البشري وما تلعبه الاهواء والمصالح من ادوار في صوغ القوانين مما يجعلها قاصرة في تقديرها لمصلحة الفرد والجماعة.