كل خطوة تقوم بها اي من السلطتين التنفيذية او التشريعية البحرينية اليوم عليها ان تكون محسوبة حسابا دقيقا يضع في اعتباره ان البحرين حين بدأت مشروعها الاصلاحي جعلت من نفسها مسرحا حيا يتابعه جمهور كبير يتخطى الجمهور البحريني ويتخطى اقليمها الخليجي او العربي ليصل الى العالم كله، فهناك العديد من اصدقائنا يرون في هذه التجربة (بروفة) لما يمكن ان يكون عليه الوضع عندهم، اضف الى هذا انهم جميعا يبحثون من خلال الرؤية الخاصة للسلطة التنفيذية البحرينية تحديدا للخطوات التحديثية قناعة باقي (السلطات) الاخرى غير البحرينية بكل ما جرى في البحرين من متغيرات، وحقيقة ايمانها بنظام ديموقراطي وليس مجرد بهرجة صورية شكلية غير قابلة للتفعيل كما يردد البعض.
وعلى هذا الاساس فان اي قرار يصدر من السلطة التنفيذية البحرينية من بعد تفعيل دستور 2002 هو منطقة امتحان لهذه القناعة، ويبدو من بعض ما سنستعرضه الآن ان هناك تعثرا في هذه القناعة وهناك تفاوت كبير بين الرؤية الشعبية للمتغيرات السياسية وبين الرؤية الرسمية لها، (فقانون المطبوعات) على سبيل المثال كان اول مناطق الامتحان لتلك الرؤية وقد جاءت ردة الفعل الاعلامية عنيفة مما دفع السلطة التنفيذية لاعادة النظر فيه وسحبه (بخطوة تحسب لها) مع الوعد بالعمل على قانون جديد يحاول التقريب بين الرؤيتين.
ثم جاء الامتحان الثاني للرؤية الرسمية لهذا التحديث في مفهومها لمعنى (التعاون) بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فكانت رؤية بها كثير من الاستخفاف تبدى في الكيفية التي اغرقت بها السلطة التنفيذية غرفتي المجلس بمشاريع القوانين ومنها ما هو رئيسي جدا تقدمت به بصفة استعجالية وبدون تفاصيل مكتفية بورقة صغيرة تطالب فيها المجلس بالموافقة على الاقتراض بديون كبيرة ستدخلنا في متاهات العجز، بل ووصل الامر بها ان تقدمت حتى بالميزانية العامة بصفة استعجالية (للنظر فيها خلال اسبوعين) وهي التي تظل شهورا تتداولها المجالس النيابية!! المهم ان ردود فعل النواب الاحتجاجية دفعت السلطة التنفيذية للاعتذار عن هذه الآلية ووعدت بالتريث في المرة القادمة وتقديم شروحات مفصلة، كما سحبت صفة الاستعجال عن الميزانية (بخطوة ايضا تحسب لها).
مجلس المناقصات هو منطقة ثالثة لتلك الرؤية الرسمية، اذ بالرغم من ان تأسيسه واحدة من علامات التغيير الايجابية الرئيسية في المرحلة الجديدة الا انه ولد وهو يعاني ثغرة كبيرة في قانونه حيث استثنى اهم الشركات الحكومية من رقابته والاشراف على مناقصاته وهي (البا) بحجة انها غير مملوكة مائة بالمائة من الدولة وان حصة المملكة العربية السعودية تبلغ 20%!! انما كيف يمكن ان استثني قطاعا بهذا الحجم يكلفني 14% من حجم ديوني المستقبلية من دون رقابة وتدقيق؟ فمشروع كالتوسعة التي تزعم البا القيام بها يتطلب 1.7 بليون دولار ستقترض الدولة من اجله 1.3 وتطالب النواب بالموافقة عليه بصفة استعجالية ودون تدخل او اشراف حتى من مجلس المناقصات! (والى الآن لم تتحدد ردة الفعل الشعبية على هذه الثغرة الخطيرة).
هذه مناطق ثلاث تباعدت فيها الرؤية الرسمية كثيرا عن الرؤية الشعبية بل ابتعدت فيها السلطة التنفيذية حتى عن سقف الوعود القيادية، انما دعونا نلتمس لها العذر لاننا سنبدأ معها للتو الخطوات التنفيذية الاولى لتأسيس نظام شراكي جديد لم تعتده من قبل، لوضع قواعد عمل تفعل وتترجم رؤية مشتركة (رسمية وشعبية) لما جاء عليه الدستور والميثاق، مما يجعل مهمة ترسيخ هذا (النظام) الجديد مهمة ليست منوطة بالسلطة التنفيذية وحدها فحسب بل هي مهمة مشتركة من قبل الجميع نواب ورأي عام، وذلك من خلال تفاعلنا الحيوي مع كل رؤية رسمية تقدم لنا سواء كان هذا التفاعل تشجيعا او رفضا قاطعا وحاسما دون تهاون! فنحن نؤسس اليوم - لا للبحرين فحسب بل حتى للآخرين، قواعد النظام الجديد الذي سيضمن ان شاء الله أمن وسلامة البحرين من خلال نظامها السياسي الجديد، حتى تكون العدالة مرهونة بقوة قواعده وأسسه لا بوجود اشخاص قائمين عليه مهما كانت درجة عدلهم وانصافهم.
* كاتبة بحرينية