(إن الأزمة تتلخص بالضبط في حقيقة ان القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد.. في هذه الفترة الفاصلة يزهر الكثير من الأعراض المرضية).
انطونيو غرامشي
المخاض هو(وجع الولادة) وهو ما تعرفه الأمهات من البشر وغيرهن من الأحياء معرفة حقيقية , أما حين نذهب الى فضاء المجاز , فهناك سوف نرى ألوانا من المخاض لا حصر لها ومن اهمها ما تشير اليه كلمات غرامشي القصيرة , تلك أنه مخاض الأمم او الشعوب او المجتمعات .. ذلك المخاض الذي قد يمتد قرونا طويلة.
هل تريد مثلا؟.
حقل العلم والثقافة هو أوضح الحقول التي يتجلى فيها المخاص , طويلا كان أو قصيرا كما يتجلى فيها كذلك العقم المطلق.. هنا لا حاجة الى القاء نظرة على التاريخ البشري منذ عرف حتى الآن بل تكفي النظرة الى المجتمعات التي نعرفها الآن , ونراها رأي العين على شاشات الفضائيات .. لنعرف فورا المجتمعات والأمم التي هي في مخاض دائم سريع , وتلك التي يمتد بها المخاض قرونا متعاقبة , وأحيانا تكون عقيما.
ان العالم العربي كله عاش طوال القرنين التاسع عشر والعشرين في مخاض لم يسفر عن شيء الا الوجع وهاهو يدخل القرن الثالث بنفس المخاض أي بنفس الوجع.
ان الاسئلة التي طرحها فكر وثقافة القرنين الماضيين ما زالت ليس فقط بدون اجوبة , بل إنها ما زالت في صيغتها الأولى , دون زيادة او نقصان لماذا تقدم العالم وتخلفنا ؟ . ما المصباح الذي نحمله في هذا النفق المظلم ؟. وهكذا بقية الاسئلة.
وقبل اكثر من احد عشر قرنا طرحت مشكلة التوفيق بين العقل والنقل في الساحة الفكرية والثقافية العربية وبقيت هذه المشكلة حتى الآن ترمي بشواظها من يقترب منها او يحاول حلها , كما حدث لابن رشد اوسع الفلاسفة رؤية , وأنضجهم ذهنا.
كل حقولنا في مخاض ليس له من نهاية : الحقل الاجتماعي , والاقتصادي , والعلمي , والأدبي , والسياسي , ولا أقول الفلسفي , لأنه ليس في العالم العربي فلسفة وهذا سبب الكارثة , لأن الفلسفة هي المصباح الذي لابد من ارتفاعه في كل حقل.