يتعرض علماء العراق في الوقت الراهن لابتزاز من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه للتهديد المباشر بالقتل وأسرهم من قبل القيادة العراقية لو أدلوا بمعلومات تخص تسليح بلدهم، فما هو موقف العلماء في فترات الحرب مما يحاك حول أوطانهم؟ وهل يدلون بمعلومات عن بلدانهم؟ وهل من الوطنية أن يدلي المواطن أو العالم بمعلومات عن بلده تتعلق بتسليحها لجهات أخرى أيا كانت هذه الجهات، وما الفرق بين تعريف الخائن والوطني هنا؟ أم أن هذه المفاهيم والمعايير تختلف من فترة إلى آخرى ومن زمان إلى آخر تبعا لطبيعة الضغوط المفروضة أو معايير القوة؟
هذه الأسئلة توجه وتواجه علماء العراق حاليا - سواء من هم داخل العراق أو خارجها، وسواء كانوا من المتعاونين والمؤيدين للقيادة العراقية أو المختلفين والمعارضين لها - وهم في موقف لا يحسدون عليه، فمن جهة هم يشعرون بأنهم معرضون للابتزاز السافر بمحاولة الاستجواب واستخلاص المعلومات بشأن برامج التسليح العراقي وما يمتلكه العراق من أسلحة، ومن ناحية أخرى فالبعض منهم من الممكن أن يكونوا مستهدفين من قبل أجهزة استخبارات كالموساد سواء بالتجنيد أو التصفية، بعد التعرف عليهم وإدراج أسمائهم كعلماء لهم وزنهم في مجال التسليح النووي، وهم أبناء العراق، عاشوا على ترابه، وشربوا من مائه وترعرعوا في أرضه، ومن جهة ثالثة مهددون بالقتل من قبل صدام حسين لو أدلوا بمعلومات للأمم المتحدة تخص برامج التسليح.
وبغض النظر عن سياسة العراق الخارجية أو الظروف والملابسات الدولية، وقبول العلماء ورضاهم بسياسته، فإن هذا لا يعد مسوغا أو مبررا يسمح لأي مواطن أن يعطي الحق في الإدلاء بأية معلومات تعرض سلامة وطنه وسلامة شعبه وأرضه إلى خطر محدق لا يعلم مداه إلا الله، وبكل المقاييس فإن الإدلاء بمعلومات أيا كان نوعها لأية جهة أخرى أيا كانت عن مدى ما تمتلكه الدولة من أسلحة أو برامج سابقة أو حالية للتسليح، لن يكون في صالح العراق، بل يصيبها في مقتل خاصة أن هناك من يتلقف أية أخبار يبني عليها موقفا معاديا يشير إلى عدم التزام العراق بالقرار 1441 للأمم المتحدة، وبالتالي يكون مسوغا لضربه، وفي هذه الحالة فلن يتأثر النظام وحده بل سيجر معه الآلاف من المواطنين، هذا في حد ذاته يعد خيانة للوطن.
ومهما كانت التبريرات التي يطلقها البعض من ضرورة قيام العلماء بالإدلاء بمعلومات وتشجيعهم لهم أو تهديدهم بالقتل أو التعذيب أو غير ذلك، لا ينبغي أن تكون مبررا أو مطية لا رتكاب هذه الفعلة، فالوطن كل متكامل عزيز على أبنائه بأرضه وسمائه بزرعه ونباته بجوه وترابه بصحرائه ومائه، وما استحق أن يولد أو يعيش من يفرط في أمنه وسلامة أراضيه. وانتماء المواطن لبلده وحبه لها وحرصه عليها يمنعه من ذلك، وهذا الإحساس الذي يشعر به أي مواطن ينتمي إلى وطنه ويشعر بقيمه وعاداته يرفض مثل هذا الإجراء شكلا وموضوعا.
هذه القيم والمبادىء التي رسخت وترسخ في عقول وأذهان الأبناء منذ الصغر نحو الأوطان، وهذه المبادىء والمثل لا تخضع لتغير المفاهيم بناء على تغير مقاييس القوة أو الخوف والهيمنة أو النظر للأمور من مناظير أخرى، وهي مبادىء ومثل عليا وصفات يتعلمها المواطن منذ نشأته الأولى كالأمانة والكرم والشجاعة والنبل والإيثار وغيرها من القيم الإنسانية المستمدة من تعاليم الدين، وهي تغرس في نفوس الأجيال سواء كانوا بعيدين عن أوطانهم أو قريبين منها، وسواء تعرضوا لاضطهادات أو نحوها أو لم يتعرضوا، وسواء بعدوا أو استبعدوا وسواء خالفوا في الرأي البعض أو لم يخالفوا، فحب الوطن وحب ترابه وأبنائه والحرص عليه قيمة لا تدانيها قيمة، ولهذا نقول ان علماء العراق في موقف صعب حقا لا يحسدون عليه، بين مطرقة القوة وسندان حب الوطن.