في زحمة الأحداث وزحام الأسئلة عن الحرب والسلام يتسلل سؤال واحد أين وصل الحوارالفلسطيني.. الفلسطيني بين مختلف الفصائل والمنظمات وهل يمكن ان يتفقوا؟
القراءة في سجل العمل الفلسطيني خلال نصف قرن لم يتمكن من اقامة كيان فلسطيني ملتحم قادر على الصمود، وكأن الفلسطينيين كما يبدو آثروا المقولة التي تؤكد أن العرب اتفقوا على الا يتفقوا، لكن المتأمل في كل ما يدور اليوم على الارض الفلسطينية يدرك ان ثمة خطوطا وخططا رسمت على مراحل زمنية لانهاء الوجود الفلسطيني وان الزعم بالخط الفلسطيني او الطريق هو مجرد الهاء فالوجود الفلسطيني اليوم بعد انهيار السلطة وانتهاء امرها وجود مشكوك في قدرته لأنه بلا قيادة وان وجدت الارادة.
من المؤكد بعد ذلك ان التجربة الفلسطينية لن تكون الاولى في التاريخ ولن يعجز الفلسطينيون غدا او بعد غد عن استنبات قيادات قادرة على الحوار والكفاح فالأم الفلسطينية ام ولادة وهذا ما يزعج شارون.
وفي تاريخ العرب والمسلمين فصول دامية تقطر الما وحيرة وشتاتا وفي صفحات التاريخ يروي ابن الاثير والطبري وغيرهما فصولا من الحيرة والشتات لمأساة أمة تمزقت بعد اجتياح التتار لبغداد وهو ما يفعله اليوم شارون في رام الله وطول كرم وغزة وبقية المدن الفلسطينية خطة تتارية بسلاح امريكي.
اسرائيل تحاول ومن وراء اسرائيل القيام بحملة تشبه حملة القوات الامريكية في افغانستان لانهاء المقاومة والقضاء على الانتفاضة والبحث في نهاية المطاف عن كرزاي فلسطيني، ولاسرائيل تجربة سابقة عندما وظفت العميل حداد ولكنها فشلت وستفشل باذن الله في عربدتها الحاضرة.
ما يحدث اليوم يأتي بدعم وتخطيط من الصهيونية التي تحكم القرار الامريكي وتتحكم في مصير ثرواته واعلامه وتوجه قراراته.
ومازال التاريخ يروي..
عندما اشعل التتار النار في كل شيء واجتاح الشام وفلسطين، ادرك اهمية مصر وارض مصر وشعب مصر، فكتب هولاكو الى الملك الشجاع المؤمن السلطان سيف الدين قطز يقول في رسالته (من ملك الملوك شرقا وغربا الخان الاعظم الى سلطان مصر المملوكي يعلم الملك المظفر قطز وسائر امراء دولته اننا جنود الله خلقنا من سخطه فسلطنا على من حل عليه غضبه ولكم في جميع البلاد معتبر وعن غضبنا مزدجر فاسلموا الينا امركم ولا تطيلوا الخطاب واسرعوا برد الجواب وقد اعذر من انذر).
كانت الرسالة تحديا سافرا يحمل كل معاني التهديد الخالي حتى من اخلاقيات التعامل مع الملوك والسلاطين، فمصر كنانة الله في الارض كانت ولا تزال موطن القوة والموقف والتحدي، وكانت حينذاك آخر قلاع الاسلام.
وكان للايمان منطق آخر. فالايمان يخترق سجف الظلام، ينير القلوب والدروب. قرأ السلطان الرسالة واستدعى الامراء وقادة الجيش وعرض عليهم الامر قائلا لهم: ماذا ترون؟!.. قالوا بصوت واحد: هذا طاغية يمد نفوذه من تخوم الصين الى حدود مصر لا يؤمن جانبه ولا يوثق في وعده أو عهده فيجب الا نخاف من وعيده.
وخيم صمت ثقيل.. فالسلطان المؤمن لا يملك قوة توازي نصف جيش هولاكو المتمركز في فلسطين والشام، لكنه يملك قوة الايمان.
قال السلطان: ليس امامنا الا امر من ثلاثة: اما الاستسلام او الجلاء عن الوطن او المواجهة، وقد اخترت المواجهة معتمدا على الله وحده. قائلا: والله انه لأحب لي أن أموت تحت غبار الجهاد في سبيل الله خير من أن أعيش ذليلا.
ويتحدث القائد الظاهرة (بيبرس) موجها كلامه الى السلطان والامراء الحاضرين اذا علم الله منا صدق العزيمة والرغبة اما في الشهادة او الانتصار فلن يخذل الله عباده المجاهدين.
وهكذا ندب السلطان الناس للجهاد و اجتمع معه جيش من المتطوعين يساوي ضعف جيشه ومن جميع انحاء مصر، وكانت المعجزة المعروفة تاريخيا (موقعة عين جالوت) فهزم سيف الدين قطز جحافل التتار وارسل احد قواده الى الشام يشجعهم ويدعوهم الى الوقوف بحزم فاندفعوا للقتال من حي الى حي ومن قرية الى قرية حتى هزموا بقايا التتار.
الايمان وحده والعزيمة الصادقة والرغبة في احدى الحسنيين الشهادة او الانتصار، كانت الدافع وراء هذا الانتصار العظيم الذي حققه سلطان مصر المملوكي المظفر سيف الدين قطز.
والتاريخ اليوم يعيد نفسه في عصر آخر وامكانات مختلفة.
وشارون هو هولاكو العصر وخلف شارون تقف القوة العظمى التي تؤيد طغيانه وتساند عربدته.
وتلك كانت احدى تجارب الشعوب في الحرب والسلام. فالامة التي تؤمن بوجودها وتصر على الانتصار لكرامتها والدفاع عن مستقبل اجيالها، لابد ان تنتصر.
وبعد ان اصيب العالم حينذاك بالخوف واليأس، فلم يكن احد يفكر في الوقوف في وجه التتار بعد ان شلت ارادة الامة وسقطت هيبتها واهين وجودها ومزقت كرامتها.
(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
والعالم العربي مدعو اليوم للوقوف بصلابة في وجه العاصفة الهوجاء التي تحدث اليوم على ارض فلسطين، الاعدامات للشباب الفلسطيني بالعشرات والاهانات والمحاصرة والعزل الموجه للرئيس الفلسطيني الرمز للامة الفلسطينية، لكنه ما زال يقف بالرغم من كل ما وجه اليه شامخا يردد عبارته (الشهادة الشهادة من اجل الوطن والقدس الشريف)، وخلف عرفات تقف أمة تضحي وتدافع بقوافل الشهداء شهيدا خلف شهيد. واقرأوا معي رسالة الشهيد الفلسطيني احمد عودة الذي ترك لأمه الرسالة الآتية: "اماه لا تجزعي فالحافظ الله، انا سلكنا طريقا قد خبرناه، لا تجزعي لفتى ان مات محتسبا فالموت في الله اسمى ما تمناه".. بهذه الكلمات المغموسة في دم الشهادة ترك الشهيد لأمه هذه الرسالة ثم سقط شهيدا.
هل نتذكر اليوم مقولة السلطان سيف الدين قطز؟؟.. هل نتذكر كلمات الشهيد احمد عودة؟؟
اذا كنا كذلك فلنبدأ بمقاطعة البضائع الامريكية، وليبدأ العرب بسحب ارصدتهم من البنوك الامريكية ولنقف في وجه الطوفان بعزيمة الرجال وشجاعة الرجال.
الوطن الكويتية