عزيزي رئيس التحرير:
لا عجب ان يكون لجدتي مجلس تجتمع فيه ونساء الفريج اللاتي يأتينها كل يوم يجتمعن بعد صلاة العصر ساعة.
ترحب بهن جدتي وتستقبلهن بحرارة وتتفقدهن الواحدة تلو الاخرى وتسأل عمن غابت ولو اضطرت لزيارتها. جدتي لها مجلس لا يقل عن مجالس النساء الحديثة بل قد يكون احسن بما له من مكانة تراثية مزينا بها من كل جانب وفي وسطه موقد للنار تحيطه القهوة و الشاي والتمر. سألت جدتي يوما عن تلك العادة وعن التفاف النساء حولها وهي حريصة على الا تفقد واحدة وسألتها عما يدور في تلك التجمعات اليومية واظن اني اغضبتها حينما قلت وما وراء التجمعات النسائية الا كثرة الكلام وقالت فلانه والحش وتناقل الاخبار وتناولها بين فنجان قهوة ورشفة شاي!!! اشتاطت غضبا وقالت:
يا ابني اني واللاتي يأتين في مجلسي بعيدين عما تظنه فليس لنا بالناس حديث لا من بعيد ولا من قريب.
صحيح ما قلته يا ابني ولكن مجلسي يختلف اختلافا كليا عما تراه اليوم من مجالس السوء فلا يهمنا زيد وعبيد ولا يهمنا ما تتناقله عامة المجالس التي طليت بالرخام وفرشت ارضيتها بالسراميك واكتظت بالجلسات واطقم الكنبات الفارهة الناعمة فما يتناقل فيها من حديث لا يكون في مجلسي.
واني والله لاتمنى لك زوجة صالحة كبدرية..
ودعني اسألك يا ابني لماذا لا تتزوج؟ فقد صار عمرك يتجاوز اعمار اولئك الصبية في زماننا!! الا ترغب بالزواج؟!
قلت لها وانا اقبل رأسها مازحا.. وهل سأكون محظوظا بزوجة مثل من تضربين بها المثل (بدرية)؟!
قالت: ولم لا الدنيا فيها خير
قاطعتها: ولكن وقتنا ليس بوقتكم يا جدة فالمهور كبيرة جدا والتكاليف باهظة وبنات جيلنا لسن كجيل بناتكم!! كل شىء قد تغير!!
والذي كان سهلا في زمانكم صار في زماننا عسرا وليس بين اهله يسر الا ما رحم ربك. الناس يا جدتي بهرتها المظاهر الخداعة المزيفة واصبحوا يتنافسون بما يملكون ولا يملكون لاهم لهم الا الغيبة والنميمة وازدراء الناس في اخلاقهم ان الحياة الماضية التي مازلت تعيشينها في نفسك وتجمعك بنساء الفريج لا نجدها اليوم!!
فما عسى ان يكون حاضرنا اليوم يا جدتي؟!
فخلاصة القول وان صار التعليم كما لم يكن في ماضيكم والثقافة والوعي اللذان تتحدثين عنهما من وقت وآخر فانهما لم يغيرا شيئا في حياة مجتمعاتنا بل زادتها مشاكل اجتماعية وتفككا اسريا وتباعدا في الترابط الذي تجدينه في نفسك وتعامل نساء الفريج اللاتي يقربن من عمرك ياجدتي!!
قاطعتني جدتي قائلة:
وهذا ما استغربه يا ابني مع ماهو حاصل من التطور والرقي الذي يحظى به هؤلاء الناس.
اما ان التدهور والانحطاط الذي اصبح سائدا بين البشرية ومجتمعناليس ببعيد عنه؟! امورنا غير صالحة ولابد لكم ان تبحثوا عن اسباب المشاكل التي سادت وبادت معها الاخلاق والماضي الجميل.
اني هنا ادعو الى تنظيم في الاسرة وتعاون بين الجميع وتيسير الامور والتفاهم على ما يصلح امور الشباب وان تتكاتف المجتمعات وتتآلف قلوبهم في تبسيط امور الحياة التي اصبحت صعبة فالجميع محتاج الى حماية والمجتمع معني بحماية نفسه وولاة الامور والقائمين على تنظير امور الحياة وجعلها سهلة والتواضع ليرفع الله اصحابه وان يبتعد الناس عما يصغر نفوسهم. فكيف السبيل للرجوع الى الدين والتمسك بأحكامه وأوامره ونواهيه كطوق نجاة لما افسده الناس ونحن؟ وكيف بنا ان نحمي جيل الحاضر الذي اصبح في مهب الريح بين زائق وملهوف!! بين كاذب ومخدوع بين تفاخر بالانساب والاحساب وكي لا تصبح الحياة ثقيلة وعيش يزهده المتضايقون فلا بد ان نبحث عن مجد قد اضعناه في ترف وتفاخر بين زخرف الحياة التي لاتساوي عند الله شيئا. تقول جدتي وهي تتمنى بحسرة ان يكون مجتمعنا الكبير كمجلسها الصغير الذي يكتظ بنساء الفريج على قلب واحد وبدرية نبراس الجميع.
ناصر الصويلح
