لن أتحدث عن نجاح حج هذا العام، ولن أقول إنه كان مميزاً ولكني سأتحدث عن مشاهدات ومواقف شاهدت بعضها كما شاهدها غيري ووقفت عليها كما وقف عليها غيري والكمال لله وحده وسأجمل هذه المشاهدات في نقاط هي:
أولاً: الاستنفار والتفاني في خدمة الحجيج.
فإنه لشرف عظيم تتبوؤه هذه البلاد قيادة وشعباً في خدمة حجاج بيت الله الحرام مما حدا بهم الى أن يبذلوا قصارى جهدهم ويستنفروا كامل طاقتهم في تذليل الصعاب وتهيئة الأجواء لضيوف الرحمن الرحيم حتى يؤدوا مناسكهم ويقضوا تفثهم ويوفوا نذورهم ويطوفوا بالبيت العتيق، كل ذلك في يسر وسهولة.
وحين نقول في يسر وسهولة لابد أن نضع في اعتبارنا العدد المهول للحجاج على اختلاف طبائعهم وتباين سلوكهم.
ثانياً: إلى رجال الأمن أقول: هنيئاً لكم يا رجال الأمن من مختلف القطاعات على صبركم وتحملكم كثيرا من المشاق والمتاعب في خدمة الحجيج والسهر على راحتهم.. هنيئاً لكم إذا احتسبتم الأجر عند الله وهذا ظننا بكم.. فلقد رأيت واحداً منكم قد تطاول عليه أحد الناس بالكلام فما زاد على أن قال له يا أخ توكل على الله فأنا جئت إلى هنا لشيء كبير هو خدمة الحجيج. فما أجمل هذا الموقف في مثل هذه الظروف الحرجة. وهكذا يجب أن يكون رجل المسئولية- ألا ينتصر لنفسه- ومما يلاحظ في الحج أن جميع الرتب تعمل كأنها رتبة واحدة. أسأل الله أن يحفظ لبلادنا أمنها وأمانها..
ثالثاً:- سقوط.
في صباح يوم عيد الأضحى المبارك يتزاحم مئات الآلاف من الحجاج لرمي جمرة العقبة الكبرى بداية لأول أعمال يوم العيد وكنت واحداً ممن دخلوا هذا الزحام الذي سقط فيه أربعة عشر حاجاً نسأل الله أن يتقبلهم عنده. هذا السقوط الذي يحدث سنوياً ما سببه بعد تقدير الله عز وجل؟ إنه التزاحم الشديد من الناس والغريب في الأمر أن هذا الموج البشري الهادر يلجه العجزة والمسنون والمرضى والنساء. علماً بأن وقت الرمي مفتوح فلو جاء أحدهم ورمى بعد العصر أو الليل لاختلف الوضع تماماً فلماذا هذا التزاحم فالأمر فيه سعة وعلى حجاج بيت الله الحرام التراحم لا التزاحم.
رابعاً:- أين تلك الجموع.
حين زالت شمس اليوم الثاني من أيام التشريق اقفرت منى من تلك الجموع الهائلة وأين ذهبت لقد أصبحت جرداء خاوية خلال ليلة واحدة. لقد ذهب الحجيج وبقيت آثارهم هذا المشهد... إلا يكون شاهداً على سرعة انقضاء الأيام والليالي وتبدل الأحوال لاسيما أننا على وشك توديع عام واستقبال آخر هكذا هي الدنيا لمن عرفها..