ان اصدار النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق عام 1412هـ وبداية العمل به من خلال تعيين اعضائه وتفعيل مؤسساته كان يمثل خطوة على طريق الاصلاح السياسي والاجتماعي في بلادنا حيث سبقته خطوات ومن المؤكد ان تتبعه ايضا خطوات, وقد كانت الفترة الماضية التي امتدت لاكثر من 10 سنوات تجربة ناجحة في شكلها ومضمونها حيث اسرت دعائم المؤسسات الشوروية على مستوى الدولة والمناطق والمحافظات وحددت تنظيماتها وطرق عملها وبما يعزز العلاقة الفعالة بينها وبين الاجهزة الاخرى القائمة على الحكم واعني بها الجهازين التنفيذي والقضائي, وقد نجحت في اداء المهام الموكلة اليها وفقا لنظامها الاساسي, كما انها كشفت عن الثوابت الاخلاقية والمهنية لممارسة العمل السياسي فيها من خلال الحوار الموضوعي الهادف والبعيد عن التشنجات والمزايدات والانفعالات التي تغلب عادة على معظم المؤسسات المماثلة في العالم, وفضلا عن ذلك فقد مهدت لبروز جيل مهني من رجال الدولة والسياسة الذين ساهموا في التأثير الايجابي في محيطهم الادنى على الاقل وترشيد ثقافته السياسية وتعزيز وعيه بما يجري في محيطه, ومن جهة اخرى فقد شهدت نفس الفترة تغيرات واسعة على المستوى العالمي والمحلي تستدعي اجراء مراجعة لهذه الانظمة ومنحها خطوات اضافية من الاصلاحات تتناسب وتطلعات ابناء هذا الوطن, واعني بذلك تطوير آلية تشكيل هذه المؤسسات الشوروية وبما يمنح المواطن دورا فاعلا في ذلك من خلال الترشيح والانتخاب.
وبداية أود التأكيد على عدة مسائل في هذا الصدد:
1. ان مسألة الترشيح والانتخاب لم تكن يوما غائبة عن الممارسة الفعلية في مجتمعنا, وقد شهدنا في الماضي تجربة انتخابات المجلس البلدي ومازلنا نمارس الانتخابات مجالس الغرف التجارية والصناعية والهيئات العلمية والجمعيات الخيرية وبعض الجامعات وغيرها ومن ذلك يتبين للجميع وخاصة لاولئك المزايدين على بلادنا في الغرب عدم وجود اي موقف رافض لمبدأ الانتخابات والترشيح على المستوى الرسمي والديني والاجتماعي لافي الماضي ولا في الحاضر, واذا كان هناك اي تحفظ فهو لايتجاوز الرغبة في الحد من سلبياتها التي تصاحبها عادة ولا تنفك عنها وبحيث تتوفر الظروف الملائمة التي تضعف امكانية ظهور هذه السلبيات وبالتالي التقليل من تأثيرها على قدرة هذه المؤسسات على اداء مسئولياتها بكفاءة عالية.
2. ان سياسة المجالس المفتوحة لولاة الامر ومعايشتهم عن قرب لهموم وتطلعات المواطنين قد جسد معنى تلاحم القيادة والشعب وفق اسس الولاء والتلاحم والثقة الراسخة, وقد تلمس الجميع اسلوب خادم الحرمين وسمو ولي العهد يحفظهم الله من خلال القاء الكلمات كلما تطلبت الظروف ذلك لتوضيح السياسات في لقاءات شبه دورية مع المواطنين وكثيرا مايتم في اعقابها ادارة حوار معهم للاستماع لملاحظاتهم وتطلعاتهم والاجابة عن تساؤلاتهم, وهي تكشف عن صورة من صور الحوار وتلمس الرأي الا انها قد تستدعي فتح قنوات موازية تتميز بالتنظيم والفاعلية في استخلاص الرأي وبلورة الفكر الهادف ومعبرة عن الرأي العام بطريقة اكثر موضوعية.
3. ان الخصائص الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في مجتمعنا قد شهدت تغيرات واسعة خلال العقدين الماضيين هو مايمكن تلمسه من حجم مخرجات التعليم وتراجع الامية والانفتاح على ثقافات الامم الاخرى الغربية منها والشرقية عبر السياحة والتجارة وفضلا عن ذلك التلقي العفوي لكم هائل من المعلومات المتدفقة عبر الانترنت والقنوات الفضائية وكلها قد عملت على تعزيز الثقافة والوعي لدى المواطن بكل شرائحة ومستوياته.
4. ان تجربة الترشيح والانتخابات قد تم تفعيلها وممارساتها في كل دول مجلس التعاون, وحيث انها مجتمعات نشترك معها في الخصائص الاجتماعية والثقافية وقد تم فيها تحقيق نجاحات ملموسة ونتائج ايجابية في هذا الشأن فقد يمكن اعتبار ذلك مؤشرا مقبولا لم يمكن ان تسير عليه الامور في بلدنا وان كان ذلك لايمنع من وجود معطيات جديدة قد تظهر لدينا باعتبار ان لكل مجتمع خصوصياته وسماته الذاتية.
5. ان حجم المشكلات التي نواجهها اليوم على مستوى التهديدات الخارجية او المشكلات الداخلية تستدعي العمل على نقل المواطن من موقع المراقب الذي لا يملك سوى النقد والتنظير واحيانا التذمر واللوم الى موقع المشارك في ادارة مقدرات بلاده من خلال وقوفه على كل المشكلات والازمات واطلاعه على الموارد والامكانات ومساهمته في صياغة الاهداف والتطلعات ودراسة كل ذلك وفق القنوات المناسبة.
ان مواطني هذا البلد ووفقا للعلاقة الراسخة القائمة على الثقة والحب والولاء بينهم وبين ولاة امورهم قد يتناولون فيما بينهم وبصورة عفوية الحديث عن جانب من تطلعاتهم وآمالهم حول هذا الشأن او ذاك وقد يرفع البعض منهم جانبا من هذه الرؤى والتطلعات لولي الامر وقد تتضمن رغبة وتطلع في استعجال بعض الامور او معالجتها بهذه الطريقة او تلك الا انها في واقع الحال قد تصطدم ببعض المعطيات غير المواتية بالتالي يقرر ولي الامر تأجيلها لبعض الوقت او صياغتها وفقا لمنظور معين كحل مرحلي مؤقت وكل ذلك يتم ضمن السياق الاسري والعفوي والصادق والمخلص بين الراعي والرعية دون حواجز او عوائق او بروتوكولات وكل مايتقرر في النهاية سيكون موضع تفهم وقبول وتسليم ولكن وحسب ماهو ملاحظ سابقا ولاحقا فان مثل هذه الامور وبلاشك موضع تفهم واهتمام قيادتنا الرشيدة وهي تسعى جاهدة لتحقيق كل تطلعات المواطن وآماله وقد تبين ذلك جليا في لقاء صاحب السمو الملكي ولي العهد يحفظه الله مع بعض المواطنين مؤخرا الذين كانت لديهم رؤية معينة حول التطوير والاصلاح ونحن كمجتمع مسلم يغلب عليه ولله الحمد الكثير من التدين والعقلانية المتمثلة في الطاعة والولاء لولاة الامر والبعد عن الانفعال والجري وراء المزايدين نحب ان نستمع من ولي الامر مايوضح التوجه والرأي الكريم في هذا الشأن وبما يسكت المزايدين ويطمئن المحبين فهل آن الاوان بالفعل لمزيد من الاصلاح الاجتماعي والسياسي وهل تتعزز مشاركة المواطنين في ادارة الشأن العام وهل يتحقق قريبا تشكيل مجالسنا من خلال الترشيح والانتخابات؟