محمد العلي

"يا بخت من يقدر يقول واللي ف ضميره يطلعه يا بخت من يقدر يفضفض بالكلام وكل واحد يسمعه يقف في وسط الناس ويصرخ: آه.. يا ناس ولا ملام بيجي الطبيب يحكي له ع اللي يوجعه يكشف مكان الجرح ويحط الدوا ولو انكوى يقدر ينوح وانا اللي مليان بالجروح ما اقدرش اقول ما اقدرش ابوح والسهم يسكن صدري ما اقدرش انزعه شوفي قد ايه؟" هناك اكثر من (200) تعريف للحرية ـ حسب كتاب ايزايا برلين/ حدود الحرية ـ ولكن من يقرؤها لا اظن انه يستفيد منها كلها ما يستفيده من قراءة هذه الابيات لصلاح جاهين. بشفافيتها العذبة وصفاء روحها وعمق تناولها لمفهوم الحرية. ان فهمنا للحرية فهم ناقص: لانه ليست هناك مرجعية تاريخية واضحة في تراثنا لهذا المفهوم، بل ان هناك ما ينفيه نفيا قاطعا، ويرجم من يؤمن به او يدعو اليه بأوصاف قاتمة تخرجه عن قيم المجتمع. اذن فليس امامنا سوى التراث الحضاري الإنساني لتوسيع هذا الفهم وادراك ان الحرية ضرورة للانسان كانسان. ان ضرورة الحرية في التعبير ـ مثلا ـ ليست نابعة من حقك كانسان فقط، بل هي بالاضافة الى ذلك ضرورة للتفكير نفسه، فالحرمان من التعبير هو حرمان التفكير. ومعنى هذا ان المنع من التعبير هو سلب لافضل ما يملكه الانسان وهو التفكير. صحيح ما قاله احدهم: (ان الحذاء ـ احيانا ـ يكون اهم من مسرحيات شكسبير) ولكن صحيح ايضا ذلك القول المدوي (ليس بالخبز وحده يحيا الانسان). نعم. ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.