في ظل تزايد التوقعات حول ما ستواجهه الدول الأعضاء فى منظمة "أوبك" من مصاعب ستكون ليست باليسيرة خلال السنوات الحالية والمقبلة الناتجة عن احتمالية شن حملة عسكرية ضد العراق، وما يرافق ذلك من تزايد في نسبة المعروض النفطي لتغطية النهم العالمي على النفط لتأمين المخزون الاستراتيجي ضمن مستويات مرتفعة.
ونظرا لوفرة المعروض الذى ينتظر تدفقه بعد انتهاء الأزمة العراقية فضلا عن تراجع مستويات الطلب العالمى المتوقعة على النفط الخام، فهل من المحتمل أن تفقد المنظمة قدرتها على الحفاظ على آليتها السعرية وهل ستحافظ منطقة الشرق الأوسط على مكانتها كأهم منطقة لانتاج النفط ؟.
يرى بعض الخبراء أن أوبك ستعانى فترة صعبة خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة فى ظل توقعات عودة النفط العراقى ولو جزئيا الى الاسواق العالمية عقب انتهاء الازمة الراهنة بالاضافة الى تلهف المنتجين من خارج المنظمة وفى مقدمتها الشركات الروسية لزيادة حصتها من السوق وهو ما سيرغم الدول الاعضاء فى أوبك على تخفيض انتاجها لاسيما كبار المنتجين فيها.
ورجح دافيد موات الذى يرأس مؤسسة "اكستنشر" العالمية لاستشارات الطاقة فى حديث لمجلة "ميد" المتخصصة فى اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط أن استقرار أسعار النفط بعد الحرب ضد العراق سيتوقف بصفة رئيسية على نهج الولايات المتحدة وأسلوب تعاطيها مع الوضع العراقى وهل ستحكم واشنطن العراق مباشرة فى حالة نشوب حرب أم ستسمح بحكم وطني.
واستبعد الخبير الامريكي أن يقبل الشعب العراقى منطق أن يحكمه الامريكيون بينما تقوم الشركات الغربية باستخراج النفط وتصديره مؤكدا أن الوضع الافضل للجميع هو أن يحكم العراقيون بلادهم وأن يترك لهم حرية ادارة مواردهم الطبيعية.
واعترف بأن هناك اتجاهات سياسية قوية فى الولايات المتحدة تضغط لتقليل الاعتماد على بترول الشرق الاوسط من خلال تنمية مصادر بديلة مشيرا الى أن قيام روسيا باقامة ميناء صالح للعمل طوال العام فى مورمانسك لتصدير البترول الروسى للولايات المتحدة يأتى فى اطار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف .
وأشار الى أنه اذا اتخذت الولايات المتحدة قرارا بتقليل الاعتماد على نفط منطقة الشرق الاوسط فانه يتعين عليها الاسراع فى وتيرة عملية تنمية حقول بحر قزوين وهو الامر الذى يبدو محتملا بشكل كبير فى ضوء عدم وجود أى زيادة فى انتاج الولايات المتحدة للنفط وعدم نجاح المحاولات التكنولوجية لتقليل الاعتماد على النفط.
وتوقع دافيد موات أن تواصل منطقة الشرق الاوسط تصدرها كأكبر مصادر النفط الخام فى العشرين عاما المقبلة تليها منطقة بحر قزوين وغرب افريقيا مشيرا الى أن أوضاع السوق النفطى ستقود الدول الشرق أوسطية المنتجة للنفط فى نهاية الأمر الى بيع الخام لمن يريد الشراء.
وفى جانب الطلب أشار الخبير الامريكى الى أن النمو فى استهلاك الصين ومنطقة جنوب شرق أسيا والهند سيقود الطلب العالمى على النفط خلال السنوات المقبلة.
وأوضح الخبير الامريكى أن الشركات النفطية العملاقة تميل الى ابراز واستغلال طاقاتها التكنولوجية والمالية الضخمة فى المشروعات الصعبة بينما تفقد هذه الميزة فى المناطق المستغلة من قبل، مشيرا الى أن معظم نفط الشرق الاوسط سهل الاستخراج وقليل التكلفة مما يفقد هذه الشركات ميزتها التنافسية الرئيسية وهو الأمر الذى قاد الى خلق فرص جديدة للشركات العالمية المتخصصة فى تقديم الخدمات الهندسية والتقنية للشركات الوطنية المنتجة للنفط.
وذكر رئيس مؤسسة "اكستنشر" أن التجربة تشير الى أن الدول المنتجة للنفط تميل الى تطوير قدراتها وصناعتها النفطية الخاصة بعد اكتسابها الخبرات اللازمة من الشركات العالمية.
واعتبر الخبير النفطى الأمريكى أن ايران مؤهلة لأن تصبح اكثر دول الشرق الاوسط جذبا للاستثمارات الغربية فى مجال النفط حيث انها فى حاجة ماسة لتطوير صناعتها النفطية مشيرا الى أنه رغم الحظر المفروض عليها من الولايات المتحدة بموجب قانون "داماتو" الا أنها من الممكن أن تصبح حليفا مستقرا للغرب فى المنطقة خلال السنوات المقبلة.
تعليق العمل بسقف الانتاج
أما على الصعيد الخليجي فيرى البعض أن الدول الاعضاء بالمنظمة ستؤيد تعليق العمل بسقف انتاج اوبك مؤقتا اذا ادى هجوم على العراق الى توقف الامدادات من ثامن اكبر مصدر للنفط في العالم. وحتى في حالة عدم تعليق المنظمة سقف الانتاج رسميا قال مندوب كبير لدى اوبك ان المصدرين الذين يمتلكون طاقة انتاج اضافية سيضخون النفط بلا قيود.
وتمتلك المملكة معظم طاقة الانتاج الاضافية غير المستغلة وستتحمل عبء اي توقف لصادرات النفط العراقية التي تقدر بنحو ملياري برميل. ويجمع المراقبون على احتمالية في حالة نشوب حرب واذا بدا ان هناك نقصا في امدادات النفط للسوق فستنفذ اوبك سياستها التي تقضي بعدم السماح بحدوث نقص وستزود السوق بنفط كاف،كما سيتم تعليق العمل بحصص وسقف انتاج اوبك بشكل مؤقت. ومن المرجح ان يحظى مثل هذا القرار بتأييد اغلبية ان لم يكن كل اعضاء اوبك . وقال مندوب رفيع في اوبك ان الدول العشر الملتزمة بحصص سترفع انتاجها على اي حال حتى لا تتعرض اسواق النفط العالمية لهزة.
وقال اذا لم يعلق سقف الانتاج والحصص رسميا فسيعلق العمل بها كأمر واقع نظرا للارتفاع الكبير في اسعار النفط لفترة طويلة. واضاف "نريد ان تعرف السوق ان كميات اضافية من النفط ستطرح في حالة الحرب حتى وان لم يكن ذلك بشكل رسمي".
لا يوجد نقص بالمعروض
ويرى وزير النفط الكويتي الشيخ احمد الصباح انه لا يوجد نقص في المعروض من النفط بالاسواق وانه لا يعتقد ان اسعار الخام ستقفز الى المستويات العالية التي سجلتها في عامي 1990-1991 اذا شنت الولايات المتحدة حربا على العراق. مبينا ان الزيادة الحالية في اسعار البترول سببها الاوضاع السياسية. (لكن) ليس هناك نقص في السوق.
وقال الشيخ الصباح انه اثناء حرب الخليج التي قادتها الولايات المتحدة عام 1991 ضد العراق كان هناك نمو اقتصادي عالمي اضافة الى الازمة السياسية لكن ذلك ليس الحال الان.
وقال "لذلك فانها (الاسعار) قد لا تصل مثلما وصلت اليه في عام 1991" وكانت الاسعار قد قفزت في ذلك الوقت الى ما بين 41 دولارا و 42 دولارا للبرميل.
وحول ما اذا كانت (اوبك) تدرس زيادة انتاجها النفطي في حالة اندلاع حرب ضد العراق قال الشيخ احمد "نسمع من هنا وهناك اتصالات ومشاورات انه سيفتح سقف انتاج اوبك في حالة الحرب او يحدث هناك قلة انتاج عالمي". وقال مصدر في اوبك ان من المرجح ان تجمد المنظمة العمل بنظام الحصص الانتاجية وتضخ النفط كما تريد اذا اوقف هجوم عسكري امدادات العراق ثامن اكبر مصدري النفط في العالم.