من يجد متسعا من الوقت ليراقب احوال علاقات اكثر انديتنا لا يصاب بالدهشة فقط.. بل يمرض مباشرة!
مع احترامي لبعض ما يسمى بدول العالم الثالث وما كانت عليه وما هي عليه اليوم وما ستكون عليه في المستقبل في ظل سياقات ما بين بعضها من الارث المتنوع من العلاقات النشاز.. تبدو انديتنا بقدرة ممتازة على تقمص ذات الحالة على صعيد علاقاتها المتبادلة فيما بينها!.. حتى ان الزملاء المندرجون في قوائم صحفيي الاندية.. يمثلون شكلا من اشكال حالة اعلام بعض دول العالم الثالث!.. فالتمترس بحساسية حرجة خلف الوان وشعارات الاندية جعل من هؤلاء اشبه ببعض الافراد العاملين في اجهزة سلاح حدود بعض تلك الدول، او (في احسن تقدير) العاملين في مؤسساتها الاعلامية الرسمية!.. فلا يمكن (غالبا) لاسبوع عمل ان يمر على صفحات بعض مطبوعاتنا المحلية الرياضية.. الا ونشهد تبادل انواع القصف بالكلمات وفق تكتيك دفاعي وهجومي تقليدي معتاد.. ولا تكاد تخلو زوايا البعض المحتشم منهم من لطائف الرفس المتبادل من تحت السطور مع الأقران مشجعي الفرق المنافسة!.. مع انه حضاريا يفترض ان تكون الذائقة المستهلكة لاشكال ذلك الحشو قد انطفأت، او ان الجيل الذي عاش يتغذى على معروض امثال تلك الموائد قد انقرض!..
اما الاعتبارات الاخلاقية.. فلا تكاد تصمد او تقاوم حين يشتد وطيس النشاط التنافسي بين فرق الاندية في اسابيع الموسم الرياضي.. اما بسبب قضية اللاعب المنسق او المنتقل، او بسبب نتيجة مباراة مشتركة او مباراة اخرى ذات تأثير مباشر او حتى غير مباشر، او بسبب شأن آخر من شئون الاحتكاك الرياضي المألوف.. وهي الامور التي يروح في الوسط ضحيتها معلق، او اداري محايد، او منسق او ممثل في احدى لجان اتحاد اللعبة، او حكم لا دخل له لافي هؤلاء ولا اولئك!
.. وبات فرض عين في محيط المذكورين المعنيين بالامر انه اذا وقع اشتباك اداري بين ناديين متنافسين استتبع موجات من الزخ الاعلامي المتواصل.. كأنما كتب على الوسط الرياضي بأسره ان يعلق في شراكه.. تماما كما يحدث في محيط علاقات الدول المذكورة!
نتكلم عن الوعي والخبرة والكفاءة والتأهيل الاداري، وحاجة واقعنا الرياضي الى منطق اداري جديد، والى جيل اداري عملي قادر على المساهمة بايجابية في عملية التنمية الرياضية المطالبة دوما بالاستمرار.. غير ان كلمة السر لانجاح عملية البناء وتصحيح المسار ليست خارج اسوار الاندية.. وكيف للنجاح ان يتأتى من خلال جهد خارجي للجان بعيدة عن واقع حياة الاندية التي هي منجم الطاقة الرياضية.. وهو ما اخذ في الاعتبار بالفعل حيث دعى ممثلون من الاندية للعمل في اللجان المشتركة المؤلفة لدراسة اوضاع الرياضة في المملكة.. غير ان الخطوة الاهم على المدى البعيد تبقى عند انتاج افكار مناسبة تطبق لتطوير آليات العمل داخل الاندية نفسها تعتمد على قدرات شبابية وطنية مؤهلة ذات افق مهني واسع تستطيع بكفاءة ان تتعامل مع الواقع الجديد وتحدياته بلغته ومنطقه وروحه.. قادرة على الالتزام بشروط النجاح فيه لتعمل وتعمل من اجل النجاح.. وليس التكرم بالتفرغ لمحاربة من ينجح!..
وبالتأكيد لا يعني التركيز على المشكلات الادارية لانديتنا ان انديتنا قافلة ضالة.. او صحراء ادارية قاحلة.. قطعا لا.. ولا داعي لضرب الامثلة ببعض الكفاءات الوطنية الادارية العاملة بشكل رائع والموجودة في عدد منها.. ولكن نحن ـ باتجاه مستقبل شاق من المنافسات ـ مطالبون بالعمل من اجل تسليم شئون ادارة انديتنا وكل ما يتعلق بها لجيل جديد مؤهل وقادر على تحمل المسئولية وتبعاتها بلغة العصر ايا كان الاطار الذي ستعمل هذه الكفاءات ضمن آلياته والمتفق على افضليته سواء كان ذلك الاطار اطار التخصيص او اطارا عمليا آخر مبتكرا.. انطلاقا من خصوصيتنا الثقافية المتفردة.. فمظاهر الفوضى التي تستنزف كثيرا من الطاقات داخل وسطنا الرياضي وتكلفنا سنويا الاعباء والاثمان الطائلة انما هي ثمار سلوك اداري متوقع.
صناعة الجيل الجديد.. باعداده في بيئة اعداد معافاة من اسباب الاعاقة، وشق الطرق الآمنة امامه، وفتح فرص الاستقطاب والدعم والتشجيع ليخلص مجتمعنا الرياضي من ثقافة المهاترة، والمشاكسة الرعناء، والظلم والارهاب الذي نجد من ينتهجه كأسلوب ادارة، لنضمن بذلك قيادة النشء القادم في اجواء رياضية تنافسية نقية من كل ادواء النفوس والعضلات، وسياسات التحقير والتطاول على الآخرين وهضم حقوق ذوي الحقوق، وصرف الطاقات الى ما يثير حساسيات بغيضة تشتت الجهود بزرع الفرقة والعداء بين الناس!.. والمتتبع لاشارات واقعنا الذي نعيشه يدرك ان مستقبلنا الرياضي في امس الحاجة اولا الى التركيز على بناء الانسان من خلال التنمية البشرية الناضجة المتوازنة لتنتج فيما بعد المواطن الكفء العامر بروح المواطنة الخيرة.. القادر على العمل.. الذي يدرك حقيقة حاجة امته ووطنه وناديه، ويعي ابعاد الدور الذي يؤديه وماذا يصنع والى اين يسير.. سليم جسديا وعقليا ونفسيا من فايروس الشعور بالعظمة والنزوع الى التقعر والغاء الآخر والحياة من اجل المناظرات وسائر بطولات الوهم!.
*كاتب رياضي