ان تكون ضد الحرب على العراق هو ان تضحي بالحرية في سبيل السلام. الحرية هنا هي حرية الشعب العراقي في الخلاص من حكم بوليسي يقف على رأسه طاغية مستبد تسبب في قتل وتشريد ملايين العراقيين على مدى أكثر من ثلاثين عاما وجر شعبة الى حربين مدمرتين خلال عقدين من الزمن. ان تكون ضد الحرب ولا تحدث هذه الحرب معناه ان تساهم في تقوية هذا النظام البشع وتعطيه ولأول مرة فرصة الانتصار, وهو ايضا انتصار حقيقي هذه المرة, هذا الانتصار سيفضي بالضرورة إلى ارساء وتقوية دعائم السلطة الغاشمة لفترة لا يعلم مداها الا الله. ان تكون ضد الحرب هو ان تقف في معسكر يشكل خليطا عجيبا من التيارات والطوائف السياسية والحقوقية والدينية والحكومات الصالحة والطالحة, معسكر يشارك فيه الى جانب اليمين المتطرف العنصري غلاة اليسار وغلاة الدين والشيوعيون والاشتراكيون وحكومات اليمين واليسار والنتيجة العملية في حالة التمكن من درء الحرب وفيما يخص اصحاب المشكلة الحقيقية ـ الشعب العراقي ـ هي تعميد مفتوح من البشرية ليتوج صدام نفسه ابا لكل المعارك ويستمر في غيه وطغيانه.
ان تكون ضد الحرب فلسبب رئيسي وهو المساهمة في الحيلولة دون موت اعداد لا يعلم عددها الا الله من العراقيين العاديين الذين تضاءلت طموحاتهم اليوم بسبب الحكم الدموي الى التشبث في الحياة فقط لو ان الامر يتعلق بالأهداف الحقيقية المعلنة للحرب على العراق ابتداء من البترول ومرورا باعادة رسم خريطة المنطقة ووصولا الى المباشرة في وضع اللبنات الاساسية لنوع من الاستعمار الجديد لكنت اول من يوافق على هذه الحرب, يمكن الاستدراك والقول بان أسبابا أخرى تقف وراء مناهضة الحرب وهي امتداد الموت الى شعوب اخرى سواء كان ذلك من جراء كيماوي صدام او من بعض القنابل العنقودية التي لن يكون هناك مفر من القائها على بؤر توتر ناشطة لايسعف الوقت جنرالات الحرب في التفكير في تبعاتها, وحدهم العراقيون يملكون الحق في الاختلاف حول سبل الخروج من المحنة وحدهم العراقيون بكل طوائفهم السياسية والعرقية والعقائدية يملكون الحق بان يكونوا مع الحرب او ضدها.. قد يكون التبسيط في قضية مصيرية كقضية الحرب مضرا اذا جرت الاستهانة بكل مايحيط بهذه الحرب من عوامل واسباب واهداف لكن الايغال في مقاربة ايديولوجية لهذه العوامل والاسباب والاهداف قد تقود الى الاستهانة ايضا بواقع ماقبل الحرب.. وهو واقع تدميري للناس في العراق.. وافاق الخروج من هذا الواقع مايهم اكثر العراقيين كما اسلفنا هو الخلاص من واقع مأساوي يتمثل في نظام استبدادي يقتلهم ويجوعهم وينفي خيرة ابنائهم, النظام لا يرى في كل التحركات المناهضة للحرب الا تأييدا لسياسته.. واذا كان بامكان صدام حسين جني ثمار مايحدث لمصلحة تقوية نظامه واستمرار طغيانه فليس من حق غير العراقيين حرمان العراقيين من التفكير باستخدام كافة الوسائل للخلاصة من هذا النظام الاستبدادي وعلى رأس هذه الوسائل الاستفادة من الظروف الدولية.. ان التبسيط المضر لقضية مصيرية هي الا يرى في كل مايحدث من ردود افعال الناس سوى ان هذا مع الحرب وذاك ضدها.. ان ارواح العراقيين المهددة بالفناء جديرة بالوقوف ضد الحرب كما ان ارواح هؤلاء العراقيين جديرة بالاصغاء والتفهم الى صوت التبسيط الشعبي الذي لا يرى عدوا غير الطاغية.. حتى هؤلاء من المعارضين العراقيين الذين يريدون ابقاء النظام والشروع في مصالحة وطنية كطريق لدرء الحرب ولا يرون طريقا لذلك غير تنحي صدام حسين عن السلطة.