يلجأ بعض الكتاب الى نقد الأوضاع في المؤسسات التي عملوا بها ثم تركوها او طلب منهم تركها لاي سبب من الاسباب، وهو نقد قد نشم منه رائحة التشفي، وان لبس رداء الرغبة في الاصلاح، وسار متباهيا في دروب الجرأة والصراحة.
وان كان اي نقد صريح وبناء يمثل شجاعة ادبية تضمن احترام الآخرين وتقديرهم للصراحة، فان هؤلاء الذين يوجهون النقد لمؤسسة سبق ان عملوا بها اقول ان هذا النقد هو شجاعة متأخرة جدا، بل ربما لا توحي بالمصداقية بعد ان تتحكم فيها عواطف ومشاعر لا نقول الانتقام ولكن عدم الارتياح.
فأين هؤلاء من هذا النقد الصريح وهم على رأس العمل، هل تخونهم الشجاعة حينها؟ ام هي المداراة حفاظا على ذلك العمل؟ ام هي المجاملة - ولا اقول النفاق - التي لاتخدم الا الذات؟
ان الشجاعة الادبية تقتضي تجاوز كل الاسباب وتخطي كل العقبات، وتجاهل كل المعوقات، لقول كلمة الحق مهما كانت النتائج، فلا احد يكره النصيحة بالتي هي احسن، اذا قيلت في الوقت المناسب، وبالحجة الدامغة والادلة المقنعة، والتبريرات الواضحة التي تثبت حسن النية ونبل الغاية وسمو الهدف، واذا كان الناقد على رأس العمل او ضمن افراده، فان هذا النقد اجدى واكثر فائدة، لانه يأتي في اطار العمل نفسه، وفي سياق تطويره، فلا يبدو نشازا، هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى فانه يحافظ على هيبة المؤسسة، وعدم اظهار تقصيرها لمن لا يهمهم الامر، وهو تقصير منسوب الى كل العاملين السابقين فيها، ومنهم ذلك الكاتب الذي يمكن ان يساهم في الاصلاح وهو على رأس العمل اكثر مما هو خارجه.
ولابد من الاشارة هنا الى ان هذا الحديث لا يعني حالة بعينها ولكنه يعني حالات كثيرة تلقى تشجيعا من وسائل الاعلام التي تسعى الى تحقيق ارقام عالية في التوزيع ، وتنسى وعي القارئ الذي يدرك ان وراء ذلك النقد من الاسباب ما يخرجه عن دائرة النقد البناء، ويبعده عن الشجاعة الادبية المطلوبة في مثل هذه الحالات.
فهل نلوم اولئك الكتاب؟ ام نلوم وسائل الاعلام؟ ام نلوم انفسنا لاننا نقبل بنهم على مثل هذا النقد الذي ربما لا يكون بناء كما يبدو من الوهلة الاولى؟
ومن يود اللجوء الى الشجاعة الادبية، فان طريقها معروف. ومعروف جدا.
والله من وراء القصد