أخبار متعلقة
.. أدينا صلاة الظهر في المسجد النبوي الشريف.. ركبنا الحافلة، بعد ان ودعنا الديار المقدسة، على أمل العودة، كان خروجنا من المدينة ورؤيتنا لأخر معالمها الساعة الثانية والنصف ظهراً من يوم الجمعة، وعند تقاطع المطار في اتجاه القصيم طلب منا مرشد حملة الحج ان ندفع الصدقات لدفع البلاء، وبعد ان جمعها أحد شباب الحملة، بدأنا في تلاوة دعاء السفر، نردده خلف مرشد الحملة السيد جعفر العلي الذي كان يمسك بالميكروفون، وبعدها بدأ صاحب الحملة محمد البريه إلقاء كلمة مقتضبة شكر فيها كوادر الحملة، معتذراّ فيها عن أي تقصير بدر من الحملة، تلا بعدها السيد جعفر آية الكرسي وسورة الإخلاص مرتين، وما ان أتم القراءة الثانية حتى سمعنا دوي الارتطام..
هذا ما رواه لـ (اليوم) إبراهيم عبدالمحسن العمراني، أحد ركاب الحافلة المنكوبة، التي كانت في طريق العودة إلى الأحساء الجمعة قبل الماضي، حين فوجئ سائقها علي الشريدة، بسيارة جيب (تويوتا) تسير في نفس المسار الذي تسلكه الحافلة، فخرج بالحافلة عن الطريق لتنقلب، بعد ان اصطدم بها الجيب، ومن ثم اصطدمت سيارة أخرى (كابرس) بالجيب، حيث اشتعلت النيران في السيارتين.
الباص ينقلب على طفل
يكمل العمراني سرد القصة: اختل التوازن في الحافلة، واختلط الحابل بالنابل، وارتجت الكراسي، غير ان رحمة الله أنقذتنا، حين انفتحت الأبواب بعد ان انفجرت اسطوانات الغاز التي تتحكم في فتح وإغلاق الأبواب. فخرج البعض منها. كما تحطمت النافذة الأمامية للحافلة، ومن قوة الصدمة خرج الطفل جابر محمد البريه، الذي كان يجلس في مقدمة الحافلة، حيث انقلب الباص على يده اليمنى، فأصيب بكسر فيها، كما انقطعت بعض شرايينها. وكذلك انسكب ديزل الحافلة فدخل في فمه، مما تسبب في إصابته بحالة اختناق، وبصعوبة تمكنوا من إخراجه، بعد ان حفروا الأرض من حوله.
ويقول محمد البريه (والد جابر): بعد ربع ساعة من وقوع الحادث وصلت فرق الدفاع المدني إلى الموقع، ليبدأوا في عملية إنقاذ الضحايا، خصوصاً سائق الحافلة، الذي كان محتجزاً بداخلها، وهو مغمى عليه، وكذلك استخراج جثتي سائقي الجيب والكابرس، وبقية المصابين من ركاب الحافلة.
ابتسامة السائق والهدايا
يتوقف البريه ليتذكر سائق الحافلة الشريدة، فيقول: رحمه الله كان طوال الرحلة بشوشاً ومرحاً دائم الابتسامة، ولقد ضحى بنفسه من أجل ان ينقذنا فلو لم يبادر إلى الخروج بالحافلة من الشارع الرئيسي لزاد حجم الخسائر البشرية، وحين خرجنا مذعورين من الحافلة، رأيت في عينيه الذاهلتين نظرة وداع، ربما كان يرسلها لأيتامه الستة. وقد توفي يرحمه الله فور وصوله الى المستشفى.
وعن السائق أيضاً يقول محمد علي العبدرب الرضا، أحد أكثر الركاب إصابة: لقد طلب يرحمه الله من صاحب الحملة ان يعجل له بدفع الأجرة المتبقية له (500 ريال)، وذلك حين كنا في المدينة المنورة، وقبيل خروجنا اشترى بكل المبلغ هدايا لأطفاله الستة.
ثياب ملطخة بالدماء
ويضيف العبدرب الرضا: تلطخت ثياب الركاب سواء من أصيب أو لم يصب بالدماء، ومن لم يصب ظن ان المصابين توفوا لكثرة الدماء في ثيابهم، وفي تلك اللحظات وصلت حافلة أخرى تقل حجاجا من حملة أخرى، ولكنها متوجهة إلى الأحساء، وكنا نعرفهم، فطلبت من أحدهم (علي الخليفة)، ان يخرجني، فبادر مع بعض أهل الخير بإخراجي، وأركبوني سيارة الإسعاف.. كانت زوجتي تائهة، لا تعرف أين تذهب؟
نعود إلى إبراهيم العمراني، الذي أصيب في الحادث عدد من أفراد أسرته، هم زوجته وولداه محمد وعلي وابنته زهراء، يقول: نقلنا جميعاً مع بقية المصابين إلى مستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة، قدمت لنا الإسعافات الأولية، والبعض خرج من المستشفى، حيث لم تكن حالتهم تستدعي البقاء، أما الباقون ممن كانت إصابتهم بليغة فبقوا في المستشفى.
دوي انفجار
يوسف ناصر الرزق، أحد ركاب الحافلة، يروي شهادته، فيقول: دوى انفجار قوي، اعتقدت لوهلة انه انفجار أحد إطارات السيارة، بعدها مباشرة كنا نقفز ونهبط على الكراسي، ثم انحرف الباص باتجاه اليمين، تمسكت جيداً وبعدها خرجت من النافذة الأمامية، قبل ان أخرج شاهدت الطفل جابر يرفرف بيده اليسرى طالباً النجدة، كان الهم كبيراً، كنت أشعر بانني عاجز عن إنقاذه، وكانت زوجتي بجانبي تشاهد الناس يفرون من الحافلة المنكوبة، وتسمع العويل والصراخ.. خارج الحافلة كان الناس يبحثون في الدقائق الأولى من الحادث عن ماء، البعض ليروي عطشه من حرارة الشمس اللاهبة، والبعض ليزيل عنه حالة الهلع، التي شعر بها الجميع.
ويذكر علي سالم البلادي، أحد ركاب الحافلة، ان النيران اشتعلت في الحافلة بعد ارتطام السيارتين بها، فارتفعت أرضية الباص.
لقطات من الحادث
شكر خاص لسمو الأمير
@ كل من التقينا به من ركاب الحافلة عجز عن توجيه الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، على متابعته الشخصية للحادث وتوجيهه بتسهيل أمور ركاب الحافلة.. يقول: والد الطفل جابر البريه، الذي أصيب بكسر وقطع شرايين يده اليمنى: لأن العملية التي أجريت لولدي في مستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة لم تنجح، لذا أمر سمو الأمير مقرن بنقله فوراً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، لإجراء عملية أخرى له هناك.. ويضيف: سموه يستحق فعلاً كل الشكر والامتنان، فلقد زار المصابين شخصياً، واطمأن على أحوالهم.
زراعة جلد
@ ستجرى عملية زراعة جلد للطفل جابر البريه (12 عاماً) في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، وقد طمأن الأطباء الأب (مصاب بكسرين في يده ورجله) ان حالته مستقرة.
مالك الحافلة في شهر عسل
@ مالك الحافلة علي البريه، كان في دبي، يقضي شهر العسل، حيث تزوج خلال أيام العيد، وهو زواجه الثاني، حيث توفيت زوجته في حادث آخر وقع لنفس الحافلة، تواجد علي في المدينة المنورة بعد 3 أيام من وقوع الحادث، ولم يكن مبالياً بأمر الحافلة، كان يردد لو سلم الجميع فلا أسف على الحافلة.
متوفون
@ بالإضافة إلى علي الشريدة سائق الحافلة الذي توفي بعد ساعتين من الحادث، فارق الحياة في الحادث سائقا السيارتين الأخريين (منصور فيحان السحمي (سائق الجيب)، وعالي علي العامري (كابرس)، وهما من بلدة تماوة في منطقة جازان.
إشادة
@ أشاد ركاب الحافلة بالجهود التي بذلها كل من الدفاع المدني والدوريات الأمنية وقوة أمن الطرق والهلال الأحمر والعاملين في مستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة على ما بذلوه من جهود.
إبراهيم العمراني يتحدث للمحرر