قرأت باهتمام شديد ما كتبه الأخ عبد العزيز عبد الله المشرف في (المنتدى الاقتصادي) يوم الثلاثاء الماضي (17 من ذي الحجة) تحت عنوان (بنوكنا المحلية والدور الغائب في البحث العلمي) ولاشك أن أي قارئ لما كتبه الأخ المشرف لا يملك إلا أن يؤيده فيما ذهب إليه، ولابد أن يتفق معه في الكثير من الآراء التي طرحها، والأفكار التي دعا إليها في مقالته. وأعتقد أنه لا يختلف اثنان على أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص في دعم البحث العلمي على نحو خاص، والتعليم العالي والتعليم بشكل عام. ومع ذلك، فإن هناك الكثير من الجهود الطيبة التي يقوم بها القطاع الخاص في هذا المجال، وهذه الجهود القائمة الآن والتي يتم أغلبها في الوقت الراهن لابد أن نشير إليها ولابد أن نرصدها ولا ننساها أو نتجاهلها، اعترافاً بها واعترافاً بالفضل للمؤسسات التي تحرص على تقديم هذه الجهود، وتشجيعاً للكثير من الأوساط داخل قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة على أن تحذو حذوها. ولعل الدور الذي تقوم به مؤسساتنا الوطنية الكبرى مثل (أرامكو السعودية) و(سابك) من أبرز الأدوار التي يؤديها القطاع الخاص في دعم البحث العلمي، وهو دور يتسع للكثير من المحاور وعلى مختلف المستويات، وفي أكثر من مجال. وهنا أود أن أقدم بعض الأمثلة- ولن أحصر بالطبع كافة الجهود لأن المساحة هنا لا تتسع لذلك- ومنها تدعيم (أرامكو السعودية) لكرسي أستاذية في قسم هندسة البترول بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكرسي آخر في الهندسة الكيميائية، إضافة إلى ما ترصده من أموال لدعم الدراسة الأكاديمية التي يتلقاها الطلاب المبتعثون من الشركة إلى الجامعة، ومن ذلك أيضاً ما تقوم به سابك من دعم للبحث العلمي بالجامعة نفسها من خلال تعاونها الكبير مع معهد البحوث وقيامها بتمويل الكثير من المشروعات البحثية والدراسات التي يقوم بها المعهد في عديد من المجالات، إضافة إلى ما ترصده (سابك) من أموال في إطار مسابقات تمنح من خلالها جوائز ومكافآت مالية لطلاب بعض الأقسام بالجامعة. ولا يتوقف دور القطاع الخاص على (أرامكو السعودية) و(سابك) إذ أن شركة (بقشان) تقوم بدور مماثل فهي تدعم كرسيا علمياً تحت اسم (كرسي بل لأب للاتصالات) في الهندسة الكهربائية بالتعاون بين شركتي عبد الله سعيد بقشان ولو سنت تكنولوجيز، ومجموعة آل سعيدان للعقارات التي تمول كرسياً باسم (كرسي تطوير المسكن الميسر في المملكة العربية السعودية)، وهناك كرسي سابك للتحكم بالتلوث في الصناعات الكيميائية. وإضافة إلى ذلك هناك اتفاقية التعاون البيئي بين جامعة الملك فهد وشركة السيف للتنمية للاستفادة من خبرات باحثي معهد البحوث في مجال البيئة، واتفاقية مع شركة ثلمبرجية لإنشاء مركز للبحث العلمي في الجامعة باسم (مجمع الأبحاث العلمية). وفيما يتعلق بالبنوك، فإن هناك جهوداً واضحة لبعض البنوك في دعم البحث العلمي وتمويله، ومنها توقيع البنك السعودي البريطاني والجامعة عقد تمويل كرسي علمي في العلوم المالية بقسم المالية والاقتصاد، وقيام البنك السعودي الأمريكي بدعم وتمويل بعثات دراسية للحصول على الماجستير. ومن المعروف أن إنشاء الكراسي العلمية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بدأ بزخم كبير ودفعة عظيمة أعطاها للمشروع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، عندما تفضل سموه بتأسيس أول هذه الكراسي العلمية باسم كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز في هندسة البيئة بقسم الهندسة المدنية بالجامعة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن أحداً لا يملك أن يدعي بأن هذه الجهود كافية، وذلك لأنها على المستوى (الأفقي) لا تشمل سوى عدد قليل من مؤسسات القطاع الخاص، وبالنسبة للبنوك المحلية فإنها لا تزال قليلة جداً من ناحية (الكم) وأقل مما ينبغي أن يكون عليه دورها ودعمها للبحوث العلمية سواء من خلال دعم ثابت أو تبرعات أو هبات مالية. ومازال دور البنوك متواضعاً ولاشك أننا نحتاج إلى توسيع هذا الدور سواء على المستوى الأفقي بزيادة عدد البنوك المحلية التي تسهم في دعم البحوث العلمية، أو على المستوى الرأسي من خلال زيادة المشروعات التي تتبناها هذه البنوك وتنفق عليها والأبحاث التي تدعمها والبعثات التي تمولها والندوات والمؤتمرات والجوائز العلمية للدراسات المتميزة، وكلها أشكال مختلفة من الدعم والمؤازرة للبحوث العلمية التي يجب أن تحظى من كافة مؤسسات المجتمع بكل الدعم والتشجيع، فقد أصبح ذلك معياراً لتقدم الأمم والشعوب والمجتمعات.
رشيد بن راشد الرشيد
الظهران