الفقر، حين ننظر في القاموس، يعني العوز والحاجة والفقير من اصابه ذلك ويعني ايضا من اصابه مرض او كسر في فقاره، اي في عموده الفقري.
وحين ننظر في قاموس الواقع، وعلى ضوء المفاهيم المستجدة لظروف الحياة المختلفة.. نرى ان الفقر لا يتحدد فقط بعدم القدرة المالية او الخلل في العمود الفقري، بل يتعدى ذلك الى ابعاد اخرى كثيرة.
فهناك فقر الشعوب. وفقر الاخلاق، وفقر الضمير، وفقر الاحساس، وفقر المعرفة، وهذا اي فقر المعرفة هو مايجب ان يصب جميع المثقفين والمفكرين وحتى السياسيين جهودهم حوله.
عصرنا هذا عصر معرفة، وفقر المعرفة في اي مجتمع معناه: انه خارج هذا العصر، معناه انه في قطار ليس له قضبان فقر المعرفة شلل ذهني في زمن تسير فيه الاذهان بسرعة الضوء وخطر الشلل الذهني في اوقات كثيرة، يأتي من انه هو نفسه يشجع الفرد او الشعب المبتلى به على الفخر به انه يجعله مثل الاعمى الذي يفتخر بعصاه، معتقدا انها الشمس.
وفقر المعرفة لاينحصر فقط في عدم معرفة الحاضر: واقعه، ومفاهيمه، ومعارفه، وفلسفته.. بل يمتد ايضا الى كيفية معرفة الماضي.
معرفة الماضي ليست هي الالمام بالتاريخ وحده، بل المعرفة الموضوعية للافكار التي اصطرعت فيه. معرفة المذاهب التي تولدت عن هذا الصراع، والتساؤل الجاد: ما اسباب ذلك وهل بقيت هذه الاسباب حتى الآن ام زالت وبقيت آثارها؟
ان فقر المعرفة الذي نحن مصابون به في معرفتنا للماضي اقسى واكثر فداحة من فقر معرفتنا للحاضر ولن تجد شاهدا اكثر وضوحا من التأثير على السلوك فالماضي يؤثر على سلوكنا اكثر من الحاضر بكثير.
لقد حاول مفكرون جادون دراسة الماضي، وقاموا بجهود بيضاء في هذا المجال، ولكن ذلك ليس كافيا اننا نحتاج الى مؤسسات فكرية ضخمة حتى نصل الى بعض الفهم لماضينا.
هل تريد مثلا؟
