دينا تحجبت, دينا خلعت الحجاب.. كل يوم تشغلنا الصحافة عن فنانات يعتزلن ثم يعدن عن الاعتزال, وأخريات اعتزلن ولم يعدن.. لتضاف كمادة صحفية تستجلب الإثارة الى مواد كثيرة اخرى هدفها ان ترقص القارئ على اطراف اصابعه.
لم يشغل احد من مغطي هذه الانباء هذه السؤال, لماذا؟ هذا مبحث يستحق التأمل ويستحق فعلا البحث.. انا لا آبه أبدا للتي تحجبت او تلك التي خلعت الحجاب ولكني اقول لنفسي وقلبي مطمئن ان هذه ظاهرة جميلة وجيدة وتنبىء عن عنصر ثابت عميق.. ولنؤجل لبرهة فقط الحديث حول هذا العنصر.. ونقلب معنى الظاهرة الجيدة والجميلة.
ان الحجاب واللجوء اليه مبعثة ـ منطقا وعقلا ـ هو الدافع الديني.. وهو هذا الضمير الديني الصغير الذي لا ينام ولا يهجع بين الاضلع فهو يلح على صاحبته من الفنانات ويجعل نفسها متقدة متقلبة في صراع بين نداء الضمير وبين نداء المال والاضواء. اذن في الاعماق شعلة خيرة لا تنطفئ ويزيد لهبها هبات الهواء التي ينفحها هذا الضمير الورع الصغير. وجود هذه العقيدة مهما طغت عليها تبرجات العمل الفني يحيلني الى ان اراها نفوسا مؤمنة في الاصل وبالتالي محاولات الحجاب ونزع الحجاب انما هي نتيجة صراع لايهدأ ليس مبعثه حب المال والشهرة وحده فلو كان هذا الحب شهوة وحيدة لما رأينا هذا التقلب العلني.. ولأكملت الفنانة حياتها سابحة هانئة في بحر الخطايا.. لكونها لاتراها خطايا في الاصل.. على ان الشعلة النورانية التي لاتريد ان تنطفئ هي التي تجعلني مطمئنا للظاهرة رغم الصحافة المتحرشة.
والآن هذا العنصر الثابت العميق الذي نلمسه واضحا في الشعب المصري وهو رسوخ ايمانه مهما تبدلت المظاهر والحاجات والاعمال ليس في الفنانين فحسب بل ظاهرة تنسحب على كامل الطبقات في مصر.. نعرف مفكرين تصارعوا مع التيارات وعادوا لثبات فكري ونفسي ديني, ونعرف من يتأرجحون الا ان في كلامهم وتصرفاتهم وثوابتهم البدهية ما يوحي بأن الايمان لديهم لايتوارى وان فعل فوراء ساتر شفاف.. لذا لانرى هذه الظاهرة بكثرة في البيئات الفنية في البلاد الإسلامية الأخرى كما هو بازغ كل البزوغ في مصر هذا موضوع مستحق للتأمل والبحث!