عزيزي رئيس التحرير
روى لي بعضهم ما جرى من حوار بثته وسائط الإعلام بين طلبة عراقيين مغتربين وطلبة أمريكيين, مواجهة تعد بحق من وجهة نظري حضارية جدا, وقد دار الحوار حول الاحداث الحالية وتحديدا أزمة العراق الراهنة. يقول محدثي ان احد الطلبة الأمريكيين وجه سؤالا محرجا للطلبة العراقيين قائلا: نحن هنا نعارض علانية سياسة الرئيس بوش بل ويستطيع احدنا ان يغلظ القول له بدون أدنى حرج او خوف من عقوبة أيا كانت. فهل يستطيع أحدكم ان يقول للرئيس صدام (لا)!! أطرق بعدها العراقيون رؤوسهم خجلا ووجلا وغاضت الأصوات وتلاشت بالكلية!! نعم, يجب ان نكون صرحاء وألا نجعل بغضنا لهم حائلا دون قول الحق فيهم فهم في ذاك الأمر يعدون مثلا في العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية, وهذا ما أراه من وجهة نظري سببا وجيها في ديمومة سلطانهم الذي تمادى الى القمة في وقتنا الراهن, على الرغم من بعدهم عن الدين وظلمهم, اذ كما يقال بان الملك يدوم بالعدل مع الكفر ولا يدوم مع الظلم! هذا النهج الذي ظل الغرب عليه سائرا لم يك بدعا ابتدعوه, بل هو في حقيقته نهج إسلامي أوضحه الصديق رضي الله عنه أيما ايضاح عندما قال قولته الشهيرة (واذا اعوججت فقوموني) فقال احدهم تلك الكلمات المعروفة بشدتها(..لقومناك بسيوفنا....), ومع ذلك لم يؤنبه بل أبان له الصديق صحة توجهه بقوله (لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها). ان المجتمعات العربية هي الآن أشد ما تكون حاجة الى تمثل هذا الفكر بين الشعوب وقادتها, وان تنداح الحواجز العالية لتتآلف القلوب, اذ لن يستفيد أحد أبدا من أية كراهية قد تنشأ بين الحاكم والمحكوم, فكلاهما بحاجة للآخر خصوصا في هذه الأوقات العصيبة التي يود الأعداء فيها تسللا من أي منفذ, والشرخ الذي يكون بين تلك الفئتين المذكورتين يشكل أسهل الطرق لأولئك الأدعياء. انني اعجب من أولئك الأغبياء من بعض أبناء العروبة الذين لا يجدون غضاضة في التصريح هنا او هناك بانهم على استعداد للترحيب بل وللتعاون مع أي شرذمة غربية تتسلط على بلادهم فهم كما يدعون أرحم بهم من حكوماتهم التي أهدرت حقوقهم وأكلت أموالهم. وأنا لن أعمم القول, فالحق ينبغي ان يفصل الأمر تفصيلا لينداح الإشكال وتسهل الرؤية! الرؤية الإسلامية الحقة تقول: انه مهما بلغ الظلم الذي يقع على الفرد المسلم في بلده جراء تعسف حاكم, فان ذلك ليس مدعاة أبدا الى جواز الخروج عليه بالقوة لأن المفسدة الحادثة في المجتمع ككل اذ ذاك أعظم من إرجاع الحق القليل لفرد أو أفراد, وهذا لا ينافي أبدا قول الحق ومناصحة الحاكم, فشتان بين المناصحة الفردية وفكر الخروج الظلامي. ما سبق ذكره صحيح الى حد ما, والحد هنا هو منع الحاكم أفراد الشعب المسلم من اقامة الصلاة او التضييق عليهم في ذلك, اذ القضية هنا أضحت هدما للدين, وماذا بعد ان يفقد الدين, لا خير إذن في الحياة وباطنها خير ولا شك من ظاهرها. ايها الأحبة في هذا البلد المبارك.. احمدوا الله انكم في بلد قادته من أهل الصلاة ومن المحرضين عليها والمساجد مفتوحة لمن أراد طاعة فرضا كان او نفلا, ولم يذكر انها اغلقت في وجه من يريد مكثا تطوعا أبدا, فلا عليكم ان تدحضوا أيها المواطنون الكرام النصح لولاة الأمر, وهم ـ ان شاء الله ـ أهل لقبول أي نصيحة يرتجى من ورائها وجه الحق تبارك وتعالى, وكونوا وإياهم يدا واحدة, فأيادي الغير مهما بدت ناعمة ملساء إلا انها غادرة فاجرة وللدين, وهو الأساس نابذة محاربة. د. ابراهيم الملحم