أخبار متعلقة
الدكتور إحسان بوحليقة أحد الخبراء المختصين في المعلومات والاقتصاد السعودي.. وفي هذا الحوار يطرح الضيف أفكارا وآراء حول عدد من مشاكل الاقتصاد المحلي مدعمة بإحصائيات وأرقام مما يعطي القارىء ملامح واضحة عن مشاكلنا ابتداء من تنامي البطالة بين السعوديين والتي يعزوها الى توهم القطاع بالتكلفة العالية للعامل السعودي وايضا الى فقدان فرص التدريب والتأهيل للخريج السعودي.. كما يشير في حديثه الذي لا تنقصه الصراحة الى بطء التحول الى الخصخصة نظرا لتكاليفها الباهظة على المستوى الاجتماعي، لكن يضرب مثلا بخصخصة شركة الاتصالات وكيف امكن التغلب على مشكلة الموظفين من خلال عدة خيارات، ويشير الى حاجتنا الى تحمل مسئوليتنا بشجاعة في البحث عن حلول لمشاكلنا حتى لو كانت هذه الحلول مؤلمة لكن لابد منها للخروج من مآزقنا.. ودعا في حواره الى ضرورة التكاتف الاجتماعي والعمل باخلاص لخدمة مجتمعنا ووطننا من خلال تشخيص المشاكل والاعتراف بها اولا ومن ثم محاولة حلها بما يناسب واقعنا.
ثمة من يرى أهمية وجود تكاتف اقتصادي بين الدول العربية فهل أنت مع هذا..وهل برأيك سينجح المجتمع العربي في إيجاد عملة عربية مشتركة..وتكتل اقتصادي عربي في ظل الأوضاع الراهنة؟
- تكابد الدول العربية تهديداً جديداً قد يعصف بالنظام العربي القائم منذ أربعينيات القرن العشرين يتجسد بشن حرب أمريكية ضد العراق، والوضع كما نشاهد جميعاً ونسمع، يؤكد أن الخيار الأنسب والأقل تكلفة وتكلفاً والأعلى عائداً هو التقارب والاندماج العربي-العربي، وأن تجاهل أو تأخير تنفيذ الاستحقاق العربي يعني مزيداً من الصعوبات تكابدها الدول العربية مجتمعة ومنفردة ومتكتلة. ولابد من الإقرار أن التفكك العربي المعاش ليس جديداً، بل أصبح جزءاً من واقع عربي اتسم لعقود بالرغبة في اللعب الفردي المستقل. ورغم أن مصالحنا تكمن في اجتماع الكلمة والإرادة، إلا أن ذلك الاستحقاق ينبغي إدراجه في خانة "الديون المشكوك في تحصيلها"، وليس أدل على ذلك مما تمخض عنه اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً. ولعل من دلائل الضعف العربي، أننا نمثل 5 بالمائة من سكان العالم في حين أن حجم الاقتصاد العربي يمثل أقل من 2 بالمائة من الاقتصاد العالمي.
- أما بالنسبة للشق الآخر من سؤالك ِ والمتعلق بقضية العملة، فهذا أمر لا يؤخذ جزافا، إذ لابد أن نرتقي درج التكاتف والتكامل العربي درجة درجة وأن لا نحاول التعويض عن إضاعتنا الكارثية للوقت برفع سقف التوقعات رفعاً عاطفياً مجانياً، وكأن ذلك سيحرق المراحل ويعوض ما فات.
برأيك إلى أي مدى يحتاج الاقتصاد الصناعي السعودي إلى دعم الدولة باعتباره أحد الروافد الهامة للدخل؟
ـ دعم الحكومة يتمثل في صيغ متعددة، وقطاع الصناعة بشقيه النفطي والتحويلي غير النفطي بحاجة أكيدة لدعم الحكومة. وبغض النظر عما يقال من استحقاقات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فقطاع الصناعة التحويلية هو بحاجة لتكامل بين السياسات الحكومية بما يدعم المنتج الصناعي المحلي. وقد يضطر هذا الطرح بعض المتعاملين بالشأن الصناعي والمحلي والعالمي إلى رفع حواجبهم عجبا! ولكن العيب الأكبر أننا لا نفكر مليا في استثمارات في قطاع الصناعة التحويلية التي تجاوزت 250 مليار ريال، باعتباره مكسباً حقيقياً لاستراتيجية تنويع الاقتصاد السعودي. ودون المساس بأهمية انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، فحتى هذه اللحظة لم ينظم جهد موسع يضم الصناعيين الحكوميين الذين لهم علاقة بالشأن الصناعي للنظر عملياً في أمر الانضمام وتبعاته، بل يمكن الجزم بأن شأن الانضمام أمر تحتضنه الجهات الحكومية احتضانا يكاد يكون مطبقاً. القضية مثار النقاش هنا ليست أهمية الانضمام بل استعدادنا له: ففي حال انضمام المملكة غداً لمنظمة التجارة العالمية، فما مصير قطاع الصناعة التحويلية؟! هذه علامة استفهام كبيرة وبالخط الأحمر. وللتصدي لهذه المخاطر لابد من التفكر مليا في إعادة هيكلية العلاقة بين الحكومة وبين الصناعة التحويلية من حيث السياسات والإدارة والاستثمار.
في رأيك كيف السبيل إلى توجيه شبابنا السعودي نحو الانخراط إلى عالم الصناعة دراسة ومهنة ؟
- نحن بحاجة لأن ينخرط الشباب السعودي في الصناعة وفي غيرها من الأنشطة، حتى يعتمد الاقتصاد السعودي اعتمادا هيكليا على السعوديين والسعوديات. والأمر الأساس -ضمن الأمور الأخرى- هو الحد من "الإغراق" والمنافسة غير المبررة التي يتعرض لها شبابنا وفتياتنا ممن يسعون للدخول في هذه السوق. وعليه، فلا بديل عن إصلاح التشوه الذي يتجسد في كون سوق العمل السعودية مفتوحة رغم أن أكثر الاقتصاديات انفتاحا لا تفتح سوق العمل إلا في أضيق الحدود وبعد تقتير وتضييق شديدين. وهذا الانفتاح في سوق العمل يمثل علة التشوه ويجب أن يستأصل ليحتكر أبناؤنا وفتياتنا فرص العمل، فيصبح ما يولده الاقتصاد من فرص عمل حقا مكتسبا لقوة العمل المحلية. ولا بد هنا أن أتوقع بعض الأسئلة من الإخوان المشتغلين الذين يحققون أرباحا من فرق الأجور بين السعوديين وغير السعوديين فأقول أما عدد الذين يحملون مؤهلا فوق الثانوية العامة من غير السعوديين العاملين في المملكة فإنه لا يتجاوز 15% من إجمالي العمالة الوافدة وهي نسبة ضئيلة جدا.. إذ لا يوجد من يعارض استقدام المؤهلين والمبدعين والماهرين في مجالاتهم.
وهذا يعني أن 85% يحملون ثانوية فما دون. ويبدو أن المشكلة تكمن في تمكين السعوديين أو المؤهلين تأهيلا عاليا من غير السعوديين من دخول سوق العمل، والتمعن جيدا وجليا في الحد من العمالة الهامشية بوضع رسوم عليها للحد من التضخم في العمالة المنزلية ومن المتاجرة في التأشيرات الحرة.
ولا بد هنا من التنويه إلى ضرورة الالتزام بتنفيذ سياسة الإحلال الواردة في الخطط المتعاقبة والتي أقرتها حكومة خادم الحرمين الشريفين تنفيذاً "حذافيرياً"، إذ يلاحظ أنها لم تنفذ ولم يلتزم بها في الخطة الخمسية السادسة، والخوف ألا تتحقق مستويات الإحلال التي تقارب مائة ألف وظيفة سنويا في الخطة الخمسية السابعة.
في رأيك كيف نوجد فرص عمل حقيقية لدى القطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد السعودي ؟
- أخي العزيز.. الاقتصاد السعودي يولد فرص عمل طيبة، إذ أن معدل النمو في فرص العمل السنوي يقدر بحوالي 4% سنوياً، وهذا معدل عال مقارنة ببقية الاقتصاديات.. أين المشكلة إذا ؟! المشكلة أن معظم هذه الفرص تذهب إلى غير السعوديين! لماذا ؟! لأن سوق العمل السعودي مفتوح. لماذا هو مفتوح ؟ لسببين:السبب الأول هو عدم الالتزام بسياسة الإحلال التي أقرتها الحكومة السعودية وهي موجودة في الوثائق الرسمية، وفي قرارات عديدة. السبب الآخر أن هناك إصرارا من شرائح عديدة من مؤسسات القطاع الخاص على توظيف غير السعودي نظراً لانخفاض أجره بالنسبة للسعوديين. وطلباً للتحديد تجدر الإشارة إلى أن الخطة الخمسية السادسة طلبت إحلال 320 ألفا من السعوديين محل غير السعوديين على مدى سنواتها الخمس. ولكن هذا لم يتحقق في الواقع، بل ارتفع عدد الوافدين بحوالي 60 ألف عامل وافد، مما يعني أننا ابتعدنا في تلك الخطة بنحو 380 ألف فرصة عمل عما كان مستهدفاً. وفي حال الالتزام بما نادت به الخطة سينخفض عدد العاطلين عن العمل بنحو الثلث مما هو عليه الحال الآن. وهناك تحديات تابعة تتعلق بالتدريب والتأهيل إلى آخره، لكن تلك التحديات تبقى تابعة، إذ يمكن الجدل بأن المشكلة الأساس ناتجة عن فتح سوق العمل. فإذا حفظنا فرص العمل للسعوديين فسنجد أن التحديات التابعة لن تمثل عقبة عصية.
- ولعل من المناسب كذلك بيان أن الاستثمار مقبول ومبرر إن جلب وظائف للمواطنين والمواطنات، وإلا فما الفائدة عندما يفتح المستثمر أو صاحب رأس المال مصنعاً يعمل به مثلا 500 موظف ولكن كلهم عمالة استقدمت من الخارج! على الرغم من معرفتنا أن فرص العمل في الأساس هي التي ترتكز إليها الدول، متقدمة ونامية وفقيرة، في استقبال الاستثمارات وهذا يحسن الكثير من الأمور والاحتفاظ بركيزة توفير فرص العمل للمواطنين لأن لها تأثيرا على كامل المشهد الاجتماعي-الاقتصادي: فهي تخفف من عبء الفقر، وترفع مستوى دخل الفرد، وترفع من الإنتاجية باعتبار أن عناصر اكبر من قوة العمل تجد عملاً.
كيف نواجه القضية المتعلقة بالتأشيرات الحرة والمتاجرة بالعمالة الوافدة التي من خلالها تعدم فرص العمل للمواطن والمواطنة السعودية ؟
- سؤالك في محله تماما فقضية التأشيرات الحرة..والمتاجرة بالعمالة هي "اغتصاب" لفرص العمل لفتياتنا وشبابنا السعودي، فالأصل في سوق العمل أن تبقى مغلقة إلا استثناءً للمبدعين والماهرين والمؤهلين. أما المتاجرة بالعمالة فيجب أن تكون من المحرمات الكبيرة، والسبب أن هناك ما يثبت أن سوق العمل مشبعة بالعمالة الوافدة لدرجة أن هناك عطالة وبطالة في أوساط غير السعوديين، فنجد منهم من يبحث عن عمل من مؤسسة لأخرى ومن مكتب لآخر، وهذه الممارسة تمثل منافسة للعمالة الوطنية في عقر داره، وهي منافسة غير مبررة!
ثمة قضية ترتبط بحماية حقوق الوافدين فيما يتعلق بتأخير الأجر أو حرمانهم من الأجر وبالتالي تجدهم مجبرين على العيش إما بالتسول، أو بالعمل عند غير الكفيل بطرق عشوائية رغبة في العيش أولا ثم في إيجاد فائض دخل ليرسله كحوالات مالية لأهله ؟
- هناك من يستقدم العمال ليس لأنه رب عمل بل لأنه قرر أكل السحت، فعندما يستقدم مثلاً عشرة عمال وهو ليس بحاجة لهم بل ينوي إدخالهم البلاد ثم يتركهم يبحثون عن عمل نظير أن يقدموا له مبلغاً من المال، هذا يسمى سحتاً وليس له اسم آخر، لأنهم يعملون وهو يأكل من كدهم دون مبرر. هذه قضية..أما الأمر الثاني، فعند تأخر صاحب العمل عن دفع أجر عامله فهذه قضية تولى ترتيبها وتنظيمها نظام العمل تنظيماً واضحاً، فكل عامل لديه عقد، فالعقد يحكم العلاقة بما لا يتعارض مع نظام العمل, إن كان لا يعمل وفق عقد فيحكم العلاقة بين رب العمل والعامل نظام العمل في المملكة. والسؤال المطروح الآن هو : لماذا لا يشتكي العمال على موظفيهم؟ فهذا أمر يستحق النظر، لكن من حيث المبدأ فالنظام يسعى لتنظيم العلاقة بما يعزز إنتاجية المؤسسة والعامل في آنٍ.
في رأيك كيف تواجه المملكة تحديات النمو الاقتصادي القائم على تقنية المعلومات؟
- المملكة الآن ليس أمامها إلا أن تسعى لأن يصبح اقتصادها أكثر تنافسية، وأكثر نموا. فالاقتصاد السعودي يعاني، وهذا من واقع الأرقام الرسمية المنشورة، من تباطؤ. ففي العام المالي الماضي 2002م نما الاقتصاد السعودي بأقل من ثمانية بالألف وهذا معدل غير مقبول وفقا للمستهدف طبقا للخطط المقرة، وطبقا لمعدل نمو السكان في المملكة، فالخطوات الضرورية هي في السعي لجعل الاقتصاد السعودي اكثر تنافسية من خلال اتخاذ خطوات لتحسين بيئة الاستثمار في المملكة. وهذا لا يقتصر على الاستثمار الأجنبي بل الاستثمار إجمالاً، إذ يلاحظ تدني نسبة الاستثمار للناتج المحلي الإجمالي. ومع تدني هذه النسبة لن نتمكن من تحقيق النمو المستهدف، فالاستثمار هو وقود النمو ، وعودة إلى صلب سؤالك المتعلق بتقنية المعلومات والاتصالات، إذ يجب أن ينظم هذا القطاع من خلال هيكلية معينة. ولعل الهيكلية المقبولة أن ينظر لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات كقطاع اقتصادي له كيان بحاجة إلى اهتمام ورعاية شأنه في ذلك شأن السياحة والصناعة التحويلية وشأن المياه والزراعة، والفرق أن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات قطاع واعد باعتبار أنه عالي النمو من حيث: فرص الاستثمار وفرص العمل. لذلك سيتمكن من المساهمة في تطعيم جهد المملكة في تنويع اقتصادها، ويجب كذلك التنبه -في هذا السياق- إلى عدم الاكتفاء باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات، إذ لابد كذلك من السعي لإنتاج هذه التقنيات أو بعض من مكوناتها. وهو أمر ليس سهلا، إلا أنه ممكن عبر إيجاد مراكز لتقنية المعلومات والاتصالات والسعي بجد واجتهاد وفق استراتيجية مقنعة للمستثمرين وللعاملين.
هل تعتقد أنه إذا اهتمت الحكومة السعودية والمواطن السعودي بتقنية المعلومات وتطويرها سيأتي يوم وتصبح فيه المملكة مصنعة لوسائل الاتصال والتقانة بأيدي أولادها وبناتها لا بأيدي العمالة الوافدة.. وتصدر؟
- بكل تأكيد، والسبب أن هناك العديد من المستثمرين السعوديين الرواد في هذا المجال والذين بذلوا تضحيات مهمة من أجل دخول هذا المجال مبكرا، وهم يستحقون منا كمجتمع كل تقدير، وكل دعم. والأمر الذي لابد من التفكر فيه أن عدداً من هؤلاء يضطر لإقامة مراكز لتأليف البرامج وإنتاج التقنية خارج المملكة، مما يستوجب منا إقامة عدد من مراكز تقنية المعلومات والاتصالات، ومراكز الصناعات المعرفية في جنبات المملكة، فبلدنا قارة. وهناك بعض الجهود المبذولة في هذا المجال، لكن لابد من التوسع فيها بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي والجامعات والمبدعين، فهناك العديد من السعوديين ممن برعوا في مجال إطلاق المواقع، وكتابة البرامج، وتحليل النظم وبناء نظم لأمن المعلومات، وتصميم ومعالجة الرقائق. ومنهم من عمل خارج المملكة وحقق نجاحاً. إذن يجب العمل على توفير البيئة الحاضنة للأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة. ومن الضروري إدراك أن هذه الصناعة عالمية وهي بالتأكيد ستضمن لنا، في حال النجاح في احتضانها، أن نحقق ميزة تنافسية بتكوين الكوادر القادرة على صناعة وسائل التقنية والاتصال العالية الجودة، وستحسن من مناخ الاستثمار وتعزز فرص المنافسة الصناعية محليا وخارجيا، وتعزز كذلك من فرص استقطاب الاستثمارات الأجنبية والتقنيات الأجنبية. ومن جهة ثالثة، تحسين صادراتنا سواء من السلع المعلوماتية أو من الخدمات المرتبطة بها. وهذا أمر ليس بعسير انطلاقا من أن هذه الصناعة بحاجة إلى استثمارات وبيئة مستقرة قائمة على استراتيجية واضحة. وفيما يخص الاستثمار، فالسعوديون يأتون في المرتبة الأولى في كل الدول العربية عند الحديث عن الاستثمارات وفي العديد من الدول غير العربية. وهي كذلك بحاجة إلى شباب وشابات لديهم القدرة والتعليم.. والآن نشهد أن الإقبال على أشده للتعامل مع هذه التقنيات وتعلمها. أما الأمر المؤسف فهو أن هناك بعض خريجي أفرع المعلوماتية من السعوديين والسعوديات يبحثون عن عمل لأشهر طويلة فلا يجدونه مما يضطرهم للعمل في مجالات أخرى. إذاً، فالقطاع بحاجة إلى هيكلية وتنظيم باعتباره قطاعا واعدا بوسعه الإضافة للاقتصاد السعودي إضافة ذات معنى.
تواجه حكومة المملكة تحدياً كبيرا فيما يتعلق بحجم الدين العام فكيف يمكنها تقليصه ؟
- الإجابة عن هذا السؤال تكمن في ثلاث كلمات: التخلص من العجز ! ذلك أن الدين العام ما هو إلا نتيجة لعجز الميزانية العامة عبر سنوات، ففي حال توقف العجز في الميزانية السنوية العامة للدولة سيتقلص العجز بالتدريج حتى يتلاشى. الأمر الصعب هو كيف نعيد هيكلية الإنفاق العام بحيث نكتفي بما يتحقق من إيرادات؟ وهذا يعني بالضرورة أنه ليس هناك بد من أن نعمل وفق ميزانية متوازنة، بمعنى أن يكون الحد الأعلى لما يمكن أن ينفق هو الإيراد المتحقق، وهذا من السهل أن يقال لكن من الصعب تطبيقه. لكن مع وصول حجم الدين العام لما يعادل وقد يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية (فنحن نتحدث عن دين يقدر بنحو سبعمائة مليار ريال تقريبا)، ويصبح الأمر بحاجة إلى حسم، ففي العام المالي الماضي أضاف العجز نحو 3 بالمائة تقريباً لأصل الدين.
هل يجب على المملكة إذا ما رغبت في إعادة التوازن للميزانية العامة للدولة أن توقف مشاريع التنمية الشاملة وتتعايش بما هو موجود من مشاريع تنموية؟
- لا ابدا هذا لا يعني ذلك، المملكة بلد نام لديه خطة تنمية. والتنمية أمر لا فكاك منه، باعتبار أن المملكة مازال أمامها جهد طويل لمحاربة الفقر والجهل والمرض. ولكن الأمر الذي هو بحاجة إلى عمل أكيد وجهد حثيث هو إعادة هيكلية الإنفاق إجمالا لتوظيف كل ريال من المال العام أفضل توظيف من حيث عائده على المصلحة العامة للبلاد. كما أن الأمر يتعلق بالإنفاق على البابين الأول الثاني، أو ما يتعلق بإنفاق الحكومة على الحكومة ( رواتب، انتدابات، وقرطاسية....الخ ). فهذان البابان بحاجة إلى إعادة هيكلة بغرض تقليص الإنفاق عليهما. انطلاقا من أن أقل القليل هو ما يذهب حاليا إلى الباب الرابع وهو باب المشاريع. وهذا أمر لابد من معالجته لسبب بسيط وهو أن عدد سكان المملكة يزيد بأكثر من 3% سنويا، فعدد المواليد السعوديين يزيد بأكثر من 500 ألف سنويا بمعنى أن كل دقيقة لدينا مولود أو مولودة. وسنويا لدينا زيادة في عدد الطلاب تقريبا بأكثر من 2.7 بالمائة، والمعنى، أن جميع هؤلاء بحاجة لمزيد من الرعاية الصحية وللتعليم..فكيف نحارب الأمية ونحارب الجهل إذا ما توقفت الدولة عن بناء المدارس الحكومية للتلاميذ الجدد؟! المدرسة مشروع استثماري بحاجة إلى مخصصات في الباب الرابع، فالمملكة محتاجة إلى مزيد من المدارس طوال الوقت ومزيد من مراكز الرعاية. إن حجم البيروقراطية الحكومية الآن مليون موظف، وبالإمكان اتخاذ نظرة جديدة للرفع من الكفاءة بما يمكن من تقليص عدد موظفي الحكومة إلى الحد الضروري، ومن إعادة هندسة الإنفاق بما يبعد شبح العجز عن الميزانية. وفي سبيل ذلك فعلى الجميع أن يقدم التضحيات.. أما استمرار الوضع كما هو عليه فيعني بالضرورة عدم التمكن من السيطرة على تنامي الدين العام، وبذلك يبقى كشبح تتعاظم قامته كل يوم.
لكن إذا عمدنا إلى تقليص حجم العمالة السعودية في مختلف مرافق الدولة فسوف نسهم في رفع نمو حجم البطالة بين الشباب ؟
- هناك عدد من الخطوات لابد من اتخاذها. لقد ذكرت في بداية الحديث معك أن الخطوة الأولى تتمثل في إقفال سوق العمل على السعوديين، وتنفيذ سياسة إحلال العمالة، والربط بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص من حيث قوانين التقاعد وهذا يعني المواءمة بين نظام التأمينات ونظام مصلحة معاشات التقاعد، بحيث يكون بوسع الشخص أن ينتقل من الحكومة إلى القطاع الخاص وبالعكس حسب أوضاع سوق العمل. أما تقليص حجم العمالة الحكومية فيأتي من خلال برامج الخصخصة، ولن يكون ذلك وفقا لتعسف. والشاهد في هذا الأمر ما حدث في شركة الاتصالات، فحوالي 23 ألف موظف كانوا يعملون كموظفين ضمن وزارة البرق والبريد والهاتف، لكن فصل مرفق الهاتف وتحويله إلى شركة جعل كل هؤلاء خارج ملاك الحكومة. وبالإمكان تكرار التجربة مع قطاعات عديدة مثل الخطوط السعودية وصوامع الغلال، والتحلية، وهكذا ينخفض إنفاق الحكومة على الموظفين. إلى جانب أمر آخر وهو العمل على زيادة الإنتاجية والرفع منها بتغير البيروقراطية الحكومية ويجعلها بيروقراطية ترتكز إلى الاقتصاد أساساً في التفكير والإنفاق وهذا الأمر سيعود على بلدنا بفرص افضل مما هو متاح حاليا وذلك في تقديم الخدمات الاجتماعية، ومكافحة الفقر والتركيز في تقديم الإعانة لمن هو بحاجة لها.
ويجب لفت النظر هنا الى أن اللجوء إلى الخصخصة ليس هو محاولة لنفض اليد من كل شيء بل محاولة لتوجيه المال العام للمواقع التي يحتاج إليها المجتمع، وهذا يعني إيجاد برنامج لمكافحة الفقر، تحديث نظام الضمان الاجتماعي الذي تجاوز عمره 40 عاما، ويعني تعزيز الشفافية وجعل دور الحكومة هو التنظيم والحفاظ على الحقوق والذود عن الحياض والابتعاد عن الممارسة الاقتصادية، وهذا أمر نصت عليه الخطط الخمسية منذ الخطة الرابعة بوضوح وجلاء ويبقى تنفيذه استحقاقا وطنيا.
باعتبارك متخصصا في إدارة الأعمال..ومطلعا على مستجدات الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية، ما الرسالة التي توجهها للمرأة السعودية العاملة في مجال المال والأعمال وتجارة السوق الحديث؟
- المجتمع السعودي بحاجة للاستفادة من مورده البشري إجمالاً وبصورة أخص من المرأة سواء على مستوى الاستثمار أو العمل الاقتصادي الميداني أو لتوسيع الخدمات التي تقدمها الحكومة والقطاع الخاص للمرأة بصورة عامة. وهناك بالتأكيد ضرورة لأن تتمكن المرأة السعودية من ان تمارس دورها وفق الضوابط الشرعية دون وجود وسيط، فمثلا نلاحظ الآن على نطاق واسع أن المرأة إن أرادت أن تمارس عملا تجاريا وتحصل على سجل تجاري وأن تفتتح فروعا للمؤسسة التي تملكها فينتهي بها المطاف أن تجبر على أن تضع وكيلا. لقد كفلت الشريعة للمرأة ذمة مالية مستقلة، فيجب الحفاظ على هذا الأمر والكفاح من اجله من باب حفاظنا و التزامنا بكل تفاصيل الشأن الإسلامي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيف يستقيم أن نستقدم مئات الآلاف من النساء من الخارج، ولا نهتم بتوسيع نطاق السعودة فيما يخص المرأة ويشمل كل هذه الوظائف، الأمر الآخر أن هناك مسألة تتعلق بعلاقة المرأة بالدوائر الحكومية، فهي مواطنة بطبيعة الحال، وإن أردات أن تراجع الدوائر الحكومية بصورة مباشرة فيجب أن يكون لها ذلك الخيار، فإذا كانت الجهة الحكومية غير مجهزة فذلك تقصير من تلك الجهة وليس العكس. ولعل لب القضية هنا هو السعي للاستفادة من ابنة الوطن، فهي تحتسب ضمن قوة العمل سواء عملت أم لم تعمل من سن 15 سنة وحتى سن الرابعة والستين عاما، إلا إذا رفضت هي العمل وفقا لإرادتها..فالقضية تستحق كل اهتمام من باب أن كل سعودي وسعودية يجب أن يكون إضافة إيجابية توظف لخدمة مجتمعه، واجبنا جميعا على جميع المستويات والمسؤوليات أن نساهم ونساعد كل فرد له رغبة في أن يساهم في بناء وطنه. أما أن نستكين لوجود غير سعوديات في أماكن العمل ولا نسعى بجد لإحلالهن فهذا أمر لا يستقيم. فلو نظرنا للقطاع الصحي مثلا: وسلطنا المجهر على العمالة النسائية في ذلك القطاع، فسنجد ظواهر تستحق المعالجة الطارئة، والحديث ليس فقط عن الطبيبات وتخصصاتهن المختلفة، وليس فقط عن الممرضات وتخصصاتهن المختلفة، بل يتجاوز ذلك لنجد أن القلة القليلة من العمالة النسائية في هذا القطاع الحيوي مواطنة..فإذا كنا سنضع الأعذار والمبررات فلن نستفيد من المواطنين والمواطنات للحد الأعلى، ولكن إن كنا نعمل يداً واحدة بجد واجتهاد باعتبار أن قضية العمالة قضية وطنية يجب أن تتصدر القائمة، فسنجد أننا جميعا سنسعى لأن نوجد هذا المواطن سواء كان الرجل المناسب أو المرأة المناسبة في المكان والموقع المناسبين. لكن علينا أن نبذل قصارى جهدنا، فالقضية تحتاج إلى تكاتف جهود ومنح الثقة لبعضنا البعض بأننا مجتمع قادر، ليس فقط على اجتياز صعوباته ولكنه قادر على أن ينافس وان يتصدر ويكون في المقدمة. وهذا يستدعي بذل جهد اكبر من جهد أي دولة و أي فرد ومجموعة.
ثمة من يرى أن المملكة لجأت إلى تغيير المناهج بسبب الضغط الذي تواجهه من أمريكا على الرغم من أن هذه الأصوات التي طالبت بالتغيير ليست جديدة فما تعليقك على موقف الرافضين إلى التغيير؟
- اعتبر هذا تفننا في الكذب، ذلك أن الاهتمام بالمناهج في أي مجتمع هو الأجدر بالمسؤولية والاهتمام، وهذا ينطبق على المملكة وغيرها، فنجد أن ثمة تغييرا يطال المناهج في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي اليابان، وفي ألمانيا. فهناك نقاش في هذه الدول وسواها فيما يختص بتطوير المناهج الدراسية. وفي المملكة الأمر ممتد على مدى 15 سنة لتطوير وتعديل المناهج إلى آخره، وهذا وقت طويل. وحقيقة أن قضية المناهج السعودية قد خضعت للكثير من الأخذ والرد والنقاش والجدال في الدوائر الأمريكية، وتحديدا عقب تفجيرات 11 سبتمبر. غير أن هذا لا يعني أن اهتمام المملكة بتطويرها لم يكن قبل ذلك، وهذا الملاحظ باتجاهات عديدة سواء كان في مستويات الحكومة وأنشطتها في وزارة المعارف أو غيرها، أو كان من خلال ما يناقشه مجلس الشورى، أو من خلال النقاش في المجتمع حول هذا الأمر. وهذه القضية تهم كل بيت وتناقش فيه. ومع ذلك، فعلينا أن نكترث للنقد العلمي القائم على أسس دون الدخول في النوايا والخبايا، فالحكمة هي ضالة المؤمن على أي حال.
وزير المالية د. ابراهيم العساف
وزير الصحة د. اسامة شبكشي