د. عيسى بن حسن الأنصاري
يعتبر التعليم من اهم عناصر الاستثمار البشري في حياة الامم ليس ذلك فحسب بل انه من اكثر انواع الاستثمار تعقيدا اذ انه لايحقق عوائد سريعة تستفيد منها الدول كجزء من الناتج القومي ولكنه عائد طويل المدى يعود على عقول الامة وتؤثر في سلوكيات الناس واخلاقياتهم ويبدو هذا العائد أنه غير مرئي على المدى القصير.
حديثي في هذه المقالة سيكون عن الجامعات والكليات الخاصة في بلادنا هذه الخطوة الرائدة التي خطتها الدولة من اجل استيعاب الفائض عن الجامعات الحكومية من مخرجات التعليم الثانوي وان كانت التجربة وليدة في المملكة الا ان نتائج تقويمها لايمكن ان تظهر الا بعد ان نرى المستوى العلمي الذي ظهرت به مخرجات هذه الجامعات.
والظاهر أن الجامعات والكليات الخاصة في الوقت الراهن في مجملها تابعة لمؤسسات خيرية لاتهدف الى الربح بل الى تقديم العلم وعندما اتخذت الدولة خطواتها اللاحقة بالسماح للجامعات ذات الطابع الاستثماري ان تظهر على الساحة المحلية تعالت الاصوات بين مؤيد ومعارض وان كنت ارى ان سعي الجامعات الخاصة الى تحقيق هامش ربحي ليس قصورا او خطأ ولكن الخطأ هو الكسب المادي دون تقديم العلم.
ومن التساؤلات المقلقة التي اثيرت حول هذه المسألة هي هل يكون انشاء هذه الجامعات على حساب مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ومجانية التعليم ؟بمعنى هل تكون هذه الجامعات ملاذا للقادرين ماديا من الذين لديهم عجز فكري ؟وهل ستصبح هذه الجامعات عاملة على توفير المقعد لمن لم يحالفه الحظ في القبول في الجامعات الحكومية او لا تحقق ميوله من حيث اختيار التخصص كتخصصات كليات القمة مثل الطب والهندسة؟
هذه التساؤلات وغيرها تحتاج الى اجابات علمية تقوم على اسس منهجية نابعة من دراسات ميدانية تعد على اساس تقويم هذه الجامعات طالما ان التوجه يميل الى التوسع في هذا النوع من التعليم. نعم فالجامعات والكليات القائمة بحاجة الى دراسة تقويمية للوقوف على ايجابياتها وسلبياتها ليس لمراجعة قرار التوسع في انشائها ولكن لتوضيح الصورة الحقيقية لواقعها واعانتها على الوقوف في هذا الواقع ومن ثم العمل على تطويرها واضافة نتائج هذا التقويم ضمن معايير انشاء جامعات وكليات مستقبلية.
والاعراف الاكاديمية تنضح بعناصر العملية التعليمية المستهدفة في عمليات تقويم هذا النوع من التعليم ولكني اقف على اهم ملامحها:
اولا: من الخطأ ان تكون هذه الجامعات للقادرين ماديا فقط اذ ينبغي احتضان الموهوبين والمتميزين من خلال اختبارات محددة تقوم بها الجامعات والكليات الخاصة لتمنح لهم الدراسة المجانية من خلال نظام التبني سواء من الدولة او القطاع الخاص.
ثانيا: لا ينبغي ان يقتصر القبول في هذه الجامعات والكليات على ذوي المعدلات المرتفعة في الثانوية العامة خاصة ان محصلتها النهائية في المرحلة الثانوية لا تعكس مستوى قدراتهم العقلية لذا لابد ان يتم استيعاب ذوي المعدلات المتدنية والكشف عن قدراتهم الفعلية وميولهم واتجاهاتهم الحقيقية من خلال اختبارات قدرات وتحصيل يعقبها الوقوف على نقاط الضعف للرفع من قدراتهم على ان تتولى هذه الجامعات والكليات ايجاد برامج تؤهلهم للالتحاق ببرامج الجامعة التخصصية ان ذلك سيتيح مبدأ تكافؤ الفرص بين خريجي الثانوية العامة وسيمنح الفرصة لمن يرغب في ان يكمل تعليمه الجامعي حتى نستثمر الطاقات الشابة التي لم تسعفها ظروفها للحصول على معدلات مرتفعة من الثانوية العامة.
ثالثا: حتى نوفر ارضية نوعية للجامعات والكليات الخاصة لابد من المراجعة الدقيقة لمناهجها ومقارنتها بالامكانات العلمية المتاحة وكذلك الوقوف على الكفاءة الداخلية والخارجية لاعضاء هيئة التدريس منها وليكن ذلك من خلال اساتذة محايدين ومتخصصين ويتم نشرها في الاوعية المخصصة لذلك حتى يستفاد منها لكافة منظومة التعليم العالي والخاص.
رابعا: اعرف تماما ان هناك جامعات وكليات تعاني نقص الاقبال عليها وهذا قد يكون عائدا لعدة اسباب منها فقدان عنصر التميز الذي يفقد الطالب شهية في الالتحاق بها والعبور الى جامعات خاصة خارج الحدود لذا ينبغي ان تدخل جامعاتنا وكلياتنا في عالم المنافسة القوية التي نعيش صراعها مع جامعات خاصة مجاورة وهذا بالطبع لايأتي الا من خلال التميز سواء في المباني او التجهيزات او كفاءة اعضاء هيئة التدريس او المناهج وطرائق تنفيذها.
خامسا: ينبغي ان تضم جامعاتنا وكلياتنا تخصصات تحاكي متطلبات العولمة سواء الوظيفية او التثقيفية ولاتكون تكرارا لما هو متاح في الجامعات الحكومية بل تخصصات ملبية لحاجة السوق الفعلية خاصة تلك التي تقوم الشركات الكبيرة بابتعاث الشباب من اجلها بالخارج على ان يتم الزام هذه الشركات وفق آليات محددة بتبني اعداد من خريجي الثانوية العامة للدراسات بجامعاتنا وكلياتنا.
تظل هناك عناصر تعليمية كثيرة قد لايسع المجال لذكرها في هذه المقالة ولكن ادرك تماما ان الاستثمار في العنصر البشري هو من اهم انواع الاستثمار وتظل الجامعة موئلا للوظيفة والثقافة وهي حق من حقوق كل من يسعى الى هذا الهدف ان كانت قدراته تؤهله لذلك.