عزيزي رئيس التحرير
ينبغي أن لا نكتب من أجل أن يظهر اسمنا وصورتنا في الصحف أو من أجل خطاب شكر لا يدخل الجنة ولا يخرج من النار، أو مقابل حفنة من الريالات لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع، أو من أجل النقد فقط او بهدف التجريح الشخصي وشن هجوم على الآخرين والتندر بهم أو لإشباع نزعات سادية متأصلة فينا تتمثل في التلذذ بتصيد اخطاء الآخرين، وهفواتهم الذي يكتب لا بد وأن تكون لديه قضية أو تجربة أو معاناة يكتب عنها أو معلومات يشارك فيها الآخرين ويتجاوز معهم بموضوعية ومهنية وأن يكون متخصصاً في الموضوع للوصول إلى بر الأمان بهذا المجتمع .
المجتمع في حاجة إلى كاتب واع وناضج ومتخصص فيما يكتب، يدرك أبعاد الموضوع الذي يتناوله، لا يتجنى على جهود الآخرين هناك كتاب تعكس كتاباتهم حماس المراهقين الذين يفتقرون إلى الموضوعية والتخصص .
قرأت لأحدهم مقالاً بعنوان (ما وراء الآراء الشاذة)؟؟ يتندر بجهود وأفكار ودراسات المجتهدين والمهتمين بوضع المياه في المملكة وذكر بأن هذه الأفكار شاذة ومحل تندر من الجميع، يبدو من مقالة أنه ضليع ومتخصص ويجيد فن السخرية والتهكم والاستهزاء والهمز واللمز والتندر بالآخرين، لذلك لا استبعد أن يستل سلاحه (قلمه) ويتندر بي في مقاله القادم، نعوذ بالله من شر هذه الأقلام .
لا أدري ما هو تعريف الشذوذ عند هذا الكاتب !! إذا كان تعريفه للشذوذ هو أنه أفكار غريبة أو غير ممكنة أو مستحيلة أو لا يستوعبها البعض في المجتمع، فقد تعود هذا المجتمع أن يقول عن الأشياء التي لا يألفها ولا يستوعبها انها (غريبة) فكثير من الأفكار كانت تعتبر شاذة وغريبة وهلامية وخيالية، بل ومصدر خوف وقلق ورعب وكانت مجال جدل وتندر في المجتمع قبل سنين بل حورب أصحابها واتهموا بالجنون والفساد والانحراف أو حتى الخيانة، أصبحت الآن مألوفة، بل ومطلوبة وملحة، ومنها تعليم الفتاة واستخدام التلفزيون كما ان هناك امورا كانت محل جدل منها استخدام الجوال والإنترنت حتى استخدام السيارة والساعة والطائرة، كذلك تحلية مياه البحر لم تسلم من هذا الجدل الذي كاد أن يحرم المجتمع من هذه الإنجازات .. إلخ القائمة التي لا تخفى على الكاتب ولم تكن معروفة في المجتمع قبل انفتاحه على العالم ولقد ضاق مجتمع العالم الإيطالي جاليليو جاليلي منه وأجبروه أن يعترف بخطأ نظرية دوران الشمس والأرض، وهما مستمران في الدوران .
لا يستبعد الخطأ في تقدير كمية المياه الساكنة في جوف الأرض من أي طرف، سواء مني أو منكم أو منهم أو من الهيئة الاستشارية أو ممن أسماهم الكاتب علماء المياه في ندوة الجنادرية حيث يمكن أن يكون الساكن في جوف الأرض في المستقبل من الزمان، يختلف تماماً عن تقديرات وتوقعات الهيئة الاستشارية عند إعداد الخطة، فقال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض و إنا على ذهاب به لقادرون) سورة المؤمنون الآية (18) ، ولكن أعتقد أن المعلومات التي ألقاها أحد كبار المسؤولين والمهتمين في الدولة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أمام خادم الحرمين الشريفين، قبل سنوات عن مخزون المياه في المملكة، كانت نتيجة دراسة قام بها فريق من الباحثين المتخصصين بالتعاون مع جهات وأطراف أخرى دولية ومحلية، وباستخدام الأدوات والمعدات المتاحة والمعروفة والمستخدمة في هذا المجال وقد تكون هذه المعلومات مصداقاً لما جاء في الأثر بأنه في آخر الزمان تعود الجزيرة العربية مروجاً وانهاراً . أما القول بأن هذه المعلومات تسببت في كارثة استنزاف مخزون المياه في زراعة القمح وتصدير وبيعه في الخارج بنصف قيمة التكلفة .ماذا أضاف هذا الكاتب إلى معضلة المياه، غير أنه تندر برموز علمية اجتهدت وساهمت في تنمية وتطوير الوطن، إن حرمت أجر الصواب في هذه الدراسة فلن تحرم أجر الاجتهاد، وكما تدعو إلى خنق الأصوات وتكميم الأفواه وكبت الأفكار نحن في جو جديد بدأت تتكرس فيه الشفافية وعقد الندوات والحوارات والمناقشات وصراحة الآراء والنقد العلمي المفيد، من الأحرى بل ومن الإنصاف بدلا من الهجوم والتندر ، أن نقترح طرح هذه الدراسة والأفكار تحت المجهر للفحص والتمحيص والتحاور حولها، في مؤتمر المياه، ويرد عليه بأسلوب علمي راق ويشكر على اهتمامه وجهوده ومساهمته . مع العلم أن هذا الأكاديمي ليس في حاجة إلى تسويق اسمه فهو ممن ساهم في تأسيس وتطوير وإدارة صرح أكاديمي يعتبر مفخرة في منطقة الخليج العربي، تخرج منه ممن هو الآن وزير أو وكيل أو مدير أو عضو في مجلس الشورى وما زال في خدمة الدولة ويحظى بثقة ولاة الأمر، في مقالي هذا لا أدافع عن أحد ولا أبرىء نفسي ولا أحد من الخطأ، ولكن لا ينبغي أن يكون المجتمع ضحايا أشخاص وكارزمات، حان الوقت أن ننتقل إلى طور حضاري آخر يقف فيه المجتمع مع الفكرة دون صاحبها ويهيم بالمشروع دون صاحبه ويتحرك بشكل موضوعي، قد يحدث ان تختلف الاجتهادات وتتباين وجهات النظر .. بل إن هذا هو الطبيعي غير أنه لا ينبغي ان نضيق ذرعاً بأية وجهة نظر تختلف عن وجهة النظر التي نحملها ولا يحملنا ذلك على التهكم والتندر ووجهة نظر الآخرين ومصادرتها ونعتها بانها هلامية أو خيالية .
م ـ صالح بطيش ـ الرياض