عزيزي رئيس التحرير
لا يمكن بحال علاج أعراض مرضية دونما الرجوع الى أس البلاء وأساسه إذ أننا والحالة تلك لا نعدو ان نسكن آلاما بينما المسبب المرضي لا يزال يعيث فسادا في الجسم حتى يتمكن منه بالكلية فيلقيه جثة هامدة لا حراك فيها , فما نفع المسكنات حينئذ !! ان ما يلاحظ على الشباب من سلوكيات سيئة مرادفة لألبسة تأباها الرجولة الحقة وتأنف منها العقول النيرة وتستنكرها السلائق السوية ليست إلا إفرازات لتربية ناقصة ان لم نقل بفقدانها بالكلية في بعض الحالات التي بلغت في السوء شأوا بعيدا , وعندما نتحدث عن التربية فإننا نعني بها تلك التي ساهمت في تأسيس فكر الطفل وخلقه من سني ادراكه الأولى ومع مرور الزمن تشبعت بها روحه ثم ما لبث ان تمثلها نهجا عندما شب عن الطوق ولاحتى في الأفق الزمني بوادر سن المراهقة وهي المرحلة التي تعرف بتمثل الأفكار المختزنة عملا وتطبيقا مهما خولف في ذلك عرف عامة المجتمع وثقافته العامة, بعضد ذلك التوجه مهما بلغت درجة شذوذه , ذلك الاحساس القوي والشعور العارم لدى الشاب في تلك المرحلة بأنه قادر على الدفاع عن توجهه الفكري وتصرفاته السلوكية إن باعتقاد بلوغ عقله سن النضج الفكر يالذي يؤهله النظر في مصالح نفسه دونما تدخل او وصاية من قريب أو بعيد , او باعتيار ولوج الجسم مرحلة النضج الجسماني المتمثل في الكتلة العضلية وهي ما تعطي شعورا باستطاعه الدفاع عن النفس وعن أفكارها ولو بالقوة , أو بتوافر وتضافر وتعاضد كلا العنصرين السابقين , والتربية بالنسبة للطفل يتعاورها محوران اولاهما البيئة الداخلية متمثلة في البيت الحاضن , وهذا المحور أقوى المحورين تأثيرا وأدومهما ثباتا في النفس إذ هي التي شكلت بداية الوعي الفكري, فصعب هنا اخراج ما تشربته نفس الطفل وما أسهل العود اليها بعد شذوذه والابتعاد عنها لطارئ ما , اما المحور الآخر فيتمثل في البيئة الخارجية بكل أبعادها المؤثرة من مدرسة ومسجد وصحبة أقران وجوار , دور البيت الريادي في المجتمع المسلم يتمثل في نقل الثقافة , ويدخل ضمنا الدين ـ من الوالدين الصالحين الى الابناء عن طريق التلقين للمفاهيم الاسلامية وتمثل ذلك المنهج عمليا لترسخ تلك الصور السلوكية في أذهان الابناء بما لا قبل للأيام بمحوه . ثم ان الدور الخارجي المساند للقيم البيئية المكتسبة يأتي من قبل المسجد ودوره الديني الاكبر إذا ما اقيم على الوجه الأكمل والمدرسة وما يتشربه الطفل فيها من غرس وتثبيت القيم الصالحة مع الرقي بالفكري , وكذلك دور الرفقة الصالحة التي لا يمكن بحال اغفاله , فهم المعين بعد الله على الثبات قي وقت عز فيه هذا المطلب , هذا مجمل ما كان ينبغي أن يقوم به المجتمع المسلم تجاه افراده من بداية وعيهم وادراكهم الى ان يشبوا ويبلغوا مبلغ الرشد والدراية ليكونوا لاحقا أعضاء فاعلين , قائدين لا مقودين , لا تجد أي قيمة غريبة أو فكر شاذ اليهم سبيلا , ومجتمع هؤلاء أفراده لابد أن يكون له موقع ريادي إن عاجلا أو آجلا ,نظرة واقعية في أحوال مجتمعنا , تجعلنا نعترف أن لا البيت هو البيت المأمول والمأمون على نقل قيم الخير والصلاح , ولا الخارج أضحى كذلك , تخلت أكثر بيوتات المسلمين عن دورها, فلا تجد إلا اما تخلت أو أبا مشغولا , نعم أب أسرف في الابتعاد عن بنيه فلم يعد بعد الانتهاء من عمله الى البيت الا ليصيب شيئا من طعام على عجل , يرجع بعدها لاكمال بقية يومه مع زملاء على شاكلته من التفريط والتضييع , وأم لم تعرف من واجباتها الا ان تشبع بطون الأبناء وليفعلوا بعد ذلك ما يحلو لهم , آباء كهؤلاء ساهموا في انشاء جيل من الابناء فارغي الأرواح والعقول وإن كان الغلاف أشد ما يكون قوة وجمالا !!
وهاهي النتيجة الطبيعية , وجدت تلك الأفكار الرذيلة والقيم الهابطة الى عقول ونفوس أولئك الابناء , طريقا أشد ما يكون تمهيدا , ولم تجد في طريقها اليهم أي عقبة من دين او خلق تشربوه من بيوتاتهم المفرطة , ثم ماذا بعد ان يمتلئ الاناء الا ان يفيض بما فيه , نعم هاهي آنيتهم قد نضحت بذلك السوء المتمثل في ألبسة غريبة وتصرفات شاذة وسلوكيات شائنة, وكون تلك الألبسة والأفكار غريبة المصدر فلأن المغلوب كما يقال مولع باتباع الغالب ووسائل الإعلام ساهمت مساهمة كبيرة في تمجيد الغربي وجعله الأنموذج الأمثل الذي ينبغي أن يحتذى.
هذا هو التشخيص , ولا أرى من وجهة نظري علاجا ناجعا ومجربا , أفضل من إذكاء بقية الروح الايمانية في نفوس المجتمع برمته من آباء أولا وأبناء ثانيا , وذلك لن يتأتى ـ وأقولها بكل صراحة ومن واقع تجربة معاشة ـ إلا عن طريق فتح المجال واسعا لأولئك الدعاة الربانيين الذين يجوبون مشارق الأرض ومغاربها مبلغين لا يبتغون على ذلك أجرا , ان تكون لهم اماكن استقطاب دعوية تحت إشراف هيئات شرعية رقابية رسمية يجد فيها بحول الله أولئك الضائعون انفسهم فيعودوا الى رشدهم وينفعوا مجتمعهم ان تطلب من احدهم ان يخلع لباسا غريبا أو ينبذ قصة شعر مستهجنة , فذاك امر جميل لكن الأجمل أن تسهم في إعادته الى رشده فيفعل ذلك من تلقاء نفسه وهو مقتنع تمام الاقتناع بصحته , وهذا هو العلاج الجذري الذي لا مزيد بعده.
د. ابراهيم الملحم