تكرر اسرائيل جرائم الحرب التي تقوم بها ضد المدنيين الفلسطينيين لانها بالدعم الامريكي الذي يغض الطرف عن جرائمها، ويحرض الدول المختلفة على التجاوز عن زلاتها، فأخذت تتمادى في عدوانها بيد أن "سلمت العقاب فساءت الأدب" الذي جعلها تحول القتل الجماعي تارة، والعقاب الجماعي تارة أخرى، الى مسلك طبيعي على الرغم من مخالفته لكل الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية، الى الدرجة التي اصبحت فيها اسرائيل فوق احكام القانون في مسلكها الداخلي الاقليمي وفي علاقاتها الخارجية الدولية.
يثبت هذه الحقيقة كل الجرائم المتكررة التي ارتكبتها اسرائيل منذ قيامها في يوم 15 مايو عام 1948م الى آخر مذبحة بشرية قامت بها في حي الدرج بقطاع غزة، فجر يوم 23 يوليو عا 2002م ولا نريد اليوم الحديث معكم عن كل هذه الجرائم بالمذابح البشرية التي ارتكبتها اسرائيل قبل وبعد نشوئها كدولة فهي معروفة لديكم وموثقة في سجل تاريخها الحافل بجرائم الحرب وارهاب الدولة طوال الأربع والخمسين سنة الماضية، وانما نرغب في العودة بالذاكرة الى عام مضى عندما قامت في شهر اغسطس عام 2001م الطائرة العامودية "الهليكوبتر من نوع اباتشي" باستخدام صاروخ "هيلغاير" الموجه بأشعة الليزر لضرب شقة في بيت صغير بحي شعبي مكتظ بالسكان في مدينة البيرة الفلسطينية لاغتيال أبو علي مصطفى، وهو ما كررته اسرائيل في يوم 23 يوليو عام 2002م بإرسال طائرة (اف 16) وضربت بيتا في حي الدرج بقطاع غزة بصاروخ من نوع "ازفارز" الموجه ايضا بأشعة الليزر وتستخدمه وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في التفجيرات الفضائية على الكواكب المختلفة لدراستها وكان الهدف من ارساله في هذه المرة اغتيال صلاح شحادة، وارى استخدام الصاروخين "هيلفاير" و"ازفارز" الى تدمير المكانين وقتل وجرح كثير من الناس اطفالا وشيوخا ورجالا و نساء، وهما بكل المقاييس والمعايير يمثلان ارهاب دولة وجريمة حرب مجرمتان بموجب احكام القانون الدولي العام.
قيل في المرتين على لسان وزير الخارجية شيمون بيريز ان اسرائيل لم تكن تعرف سكان في البيرة أو في غزة عند ضربهما مما يجعل من قتل المدنيين أو جرحهم جاء بطريق الخطأ، وهو حديث افك وكذب مرمين يرمي الى تضليل الرأي العام العالمي بادعاء ان المدينتين اللتين ضربتا البيرة بالأمس وغزة اليوم كانتا خاليتين من السكان، وهو قول باطل ودليل بطلانه افتقاده للمنطق الانساني السليم، حيث لا توجد مدينة على وجه الارض خالية من السكان وإلا لما أصبحت مدينة، ولو كان الهدف هو اغتيال أبو علي مصطفى في العام الماضي، وصلاح شحادة في العام الحالي وحدهما لما كان هناك داع لاستخدام الصاروخين هيلفاير وازفارز بقوتهما التدميرية الهائلة ليقتل كل واحد منهما رجلا واحدا، مما يجعل من هدف استخدامهما قتل الابرياء من الناس وهي جريمة حرب كاملة الاركان من الناحية القانونية، واريد بنفيها تبرئة اريل شارون منها على الرغم من ان ضربته الأخيرة على قطاع غزة جاءت متعمدة لتجمد توصيات اللجنة الرباعية وتلغي مبادرة الشيخ أحمد يس بوقف الكفاح، اللتين كانتا على وشك التنفيذ، لقناعة اريل شارون بأن الحل السلمي يسلب اسرائيل حقوقها بينما يحقق الحل العسكري مكاسب لها بلا حدود.
حجم الجريمة التي ارتكبت بحي الدرج في قطاع غزة أدى إلى غضبة دولية ضد اسرائيل على المستويين الشعبي والرسمي فبادرت واشنطون الى ايضاح موقفها في نفس يوم وقوع الجريمة بإبداء رأيها بواسطة المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض ارى فلايشر الذي قال بأن الرئيس الامريكي جورج بوش يعتقد بأن سياسة اليد الثقيلة التي نفذتها اسرائيل في منطقة سكنية بقطاع غزة ونتج عنها قتل المدنيين، لا يمكن ان تساهم في المسيرة السلمية التي نتطلع اليها ونبذل الجهد من اجلها وقد ابلغت اسرائيل بهذا الرأي بواسطة السفير الامريكي عندها.
تحدث في اليوم الثاني للجريمة الاربعاء 24 يوليو عام 2002م المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر الى الصحافيين فقال لهم بأن واشنطون تأسف لمصرع الأبرياء من المدنيين في غزة فلما سئل عن استخدام السلاح الأمريكي ومدى مساهمته في ارتكاب الجريمة الاسرائيلية في غزة رد قائلا بأن السيطرة على صادرات السلاح تحتاج الى تقرير يؤكد بأن استخدامه جاء في اعمال غير مشروعة تخرج عن اطار الدفاع عن النفس او اعمال الأمن الداخلي حتى يمكن منع تصديره الى البلد الذي أساء استخدامه، وحتى الان لا نستطيع ان نقطع برأي في ما قامت به اسرائيل لغياب التقرير عن الأعمال العسكرية الاسرائيلية التي قامت بها في غزة فقال احد الصحافيين ولكنكم بكل تأكيد ستقومون باعداد هذا التقرير أليس كذلك فرد عليه ريتشارد باوتشر بكلمة واحدة "مايعة" ربما فضحت القاعة الصحافية فيه في وزارة الخارجية الامريكية بالضحك على موقف امريكا المنحاز لإسرائيل حتى عند ارتكابها للارهاب الذي تحاربه الولايات المتحدة الامريكية على المستوى العالمي.