يتفق الجميع سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين للعولمة على أن الفجوة الاقتصادية بين دول العالم تزداد اتساعاً. وتقول غالبية الهيئات الرسمية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة أن تلك الفجوة آخذة في الزيادة أيضاً.
وفى هذا السياق أشار خافير سالا إي مارتن الأستاذ بجامعة كولومبيا الأمريكية في بحثه الجديد حول تلك القضية إلى ما جاء في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية الصادر عام 1999م من أنه في عام 1960م بلغ دخل خمس سكان العالم الموجودون في الدول الأكثر غنى 30 ضعف دخل الخمس الآخر الموجود في الدول الأشد فقراً.
وفى عام 1974م ارتفع الفارق إلى 47ضعفاً ليكمل المسلسل الذي بدأ منذ قرابة قرنين من الزمان. ولكن كيف تسنى للأمم المتحدة أن تعرف أن الفجوة العالمية في الدخول ازدادت اتساعاً؟أولاً قال خبراؤها الاقتصاديون أن الفجوة بين الدخول داخل الدول ذاتها تفاقمت .ثانياً فإن الفجوة عبر الدول تفاقمت بدورها وبالتالي تكون عدم المساواة في الدخول بين سكان العالم في ازدياد أيضاَ.ورغم أن سالا إي مارتن يوافق على أن الفجوة بين الدخول داخل الدول قد ازدادت في المتوسط، و لكن ليس بصورة حادة تماماً، حيث أن تلك الفجوة قد اتسعت في بعض الدول وضاقت في بعض الدول الأخرى .إن العولمة السريعة لا تدفع كل الدول في نفس الاتجاه:فالأسواق الناشئة المتعولمة مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا شهدت تراجعا في الفجوة بين دخول مواطنيها. ولكن على المستوى الإجمالي يؤكد مارتن أن الفجوة في الدخول داخل الدول قد زادت في الغالب خلال العقود القليلة الماضية.
وماذا عن عدم المساواة في دخول الأفراد عبر الدول؟ في هذا الإطار تهمل الأمم المتحدة نقطة هامة للغاية. إنك إذا قمت بقياس الدخول على أساس القوة الشرائية وليس أسعار الصرف السائدة في السوق فإن الدخول تبدو متساوية بدرجة أكبر بين الأفراد. والسبب هو أن تكاليف المعيشة في الدول الفقيرة أقل مما هي عليه في الدول الغنية. ولكن عندما بنت الأمم المتحدة تقديراتها بأن دخول خمس سكان العالم الأكثر غنى أكثر 30 ضعفاً من دخول الخمس الأشد فقراً في عام 1960م، وأن تلك النسبة زادت لسبع وأربعين ضعفاً في عام 1997 فإنها اعتمدت في تقديراتها تلك على أسعار الصرف. وباستبدال أسعار الصرف بالقوة الشرائية لدخول الأفراد فإن النسب السابقة تصبح 11 و15 على التوالي. وعلى الرغم من الانخفاض الذي طرأ على تلك النسب بعد عام 1980م فإن اتساع فجوة الدخول كان الاتجاه العام الذي ميز تلك الفترة.
ورغم تزايد الفجوة بين الدخول داخل الدول وبين بعضها البعض فإن ذلك لا يعنى أن الفجوة بين الدخول على المستوى العالمي، كما يفترض البعض قد تزايدت أيضاً.
وفي هذا المضمار يقول سالا إي مارتن تخيل أن إحدى الدول ذات اقتصاد فقير وعدد سكانها يبلغ سدس سكان العالم بدأت في النمو سريعاً وفى نفس الوقت ازدادت فجوة الدخول بين مواطنيها، فرغم حجم تلك الدولة فإنها لا تمثل سوى بيان واحد في سلسلة المقارنات بين الدخول عبر الدول إي أن نموها السريع لا يكفى لتغيير عدم المساواة في الدخول بين دول العالم. ولكن يبقى أن سدس سكان العالم ترتفع دخولهم سريعاً لتطاول دخول الأغنياء. ويؤكد سالا إي مارتن أن هذا ما حدث بالفعل. فالدولة ذات الاقتصاد سريع النمو وعدد السكان الهائل هي الصين التي حققت معدلات نمو مرتفعة للغاية في العقود القليلة الماضية. وبذلك نخلص إلى أن قياس عدم المساواة في الدخول على أساس السكان يكشف عن عدم ازديادها بل تضاؤلها. وجاءت الدول الأفريقية في ذيل قائمة افضل الأماكن في العالم للمعيشة حسب التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة العام الحالي. وكانت سيراليون في آخر القائمة التي تضم 173 بلدا، جاءت آخر 24 منهم من الدول الأفريقية. ويصنف تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة الدول المدرجة بالقائمة حسب نوعية الحياة باستخدام مؤشرات مثل متوسط العمر ودخل الفرد. وفي شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفيتي السابق إضافة إلى الدول الأربع والعشرين المدرجة في أسفل القائمة يعتبر المواطنون أكثر فقرا و يموتون في سن مبكرة عن فترة نهاية الحرب الباردة. وكان الأداء الضعيف للدول متوازيا مع الانتكاس والعودة إلى الحكم التسلطي أو النزاعات. وتنطبق تلك الشروط على الدول الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية حيث يشير التقرير إلى أن واحدة من كل 4 دول إفريقية شهدت تدخلا عسكريا في هيئاتها السياسية. ويسود شعور حول العالم بأن الديمقراطية لم تنجح في تحقيق التنمية مثل إيجاد لمزيد من فرص العمالة وفتح مزيد من المدارس و الرعاية الصحية للمواطنين العاديين. ولكن التقرير يؤكد أن التحرك في طريق الديمقراطية يحقق مزيدا من الاستقرار للمجتمعات وهو ما يدحض وجهة النظر التي تضعها الصين وباكستان وغيرها من الدول بأن التحرك البطيء نحو الديمقراطية ضروري للحفاظ على النظام.
ويقول التقرير إن الدول الديمقراطية اقل عرضة لخوض حروب ضد بعضها البعض وانه ليست هناك أدلة على أن النظم الشمولية افضل من حيث تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ورغم أن الدول الغنية جاءت على رأس القائمة فإن التقرير أكد على أن دخل الفرد بمفرده لا يعني ارتفاع مستوى الحياة.