يبدو ان توظيف الأكاديميين الوسيلة الأكثر فعالية لايصال الصوت المعتدل بين الشعوب بل (الأكاديميون) هم الأشد أثرا في تغيير المفاهيم المغلوطة بين الشعوب. وبالرغم من قلتهم مقارنة باعداد الشعوب إلا ان آثارهم تطال الأغلبية من خلال ما يمارسونه من أدوار سواء في مجتمعاتهم العلمية داخل سواء في مجتمعاتهم العلمية داخل أسوار الجامعات او دورهم المجتمعي خارجها. ويأتي هذا التأثير من خلال الدور الذي تمارسه الجامعات ومؤسسات التعليم العالي حيث تحقق أهدافها من تعليم للطلاب والطالبات بمختلف اعمارهم وفئاتهم الاجتماعية او من خلال تطوير البحث العلمي والذي تقدمه داخل المجتمعات او تؤثر به او من الدور الذي تقوم فيه هذه الجامعات لخدمة المجتمعات المحيطة. لذلك حرصت كافة دول العالم على الاهتمام بالجامعات كمنارات إشعاع تنير الطريق لشعوبها وتقارب بين شعوب العالم المختلفة للتخفيف من حدة الآثار السلبية التي تفرزها الأحداث المختلفة كالحروب وخلافه.
وما الأحداث الإرهابية وغيرها من الحروب التي يشهدها العام إلا دلالة على الفجوة الفكرية التي تعيشها الشعوب اذ في الوقت الذي نجد فيه الحكومات على وئام تام نجد من الجانب الآخر الشعوب تعيش حالات من الفوضى الفكرية بسبب عدم فهم الآخر وغياب الحوار الذي يعمق الفجوة في ايضاح التفكير الشعوبي.. مثل هذه الفجوة كانت ولا تزال تبريرا قويا يستند عليها أصحاب نظريات الصراعات الأيدلوجية بين الشعوب مثل نظرية صراع الحضارات لو اخذناها مثلا على ذلك وصاحبها "الدجماطيقي" أي الذي جعل من كل ممارساته الحياتية عقائد لا تناقش بما في ذلك الحياة اليومية حتى وان كانت قابلة للنقاش والتعديل. كما وجد الميكافيليون والديموغاجيون في هذه الفجوة قاربا لتحقيق غاياتهم الدنيئة.
لقد جاء هذا السرد لتبيان حقيقة الدور الذي بامكان الأكاديميين لعبه لسد الفجوة ذات الاهتمام وكذلك التقريب بين الأفكار الشعوبية المتضادة والتي لا تزول إلا بالحوار مع الآخر بالعقلانية والمنطق السليم. وعندما نشير الى ذلك فأول ما يتبادر الى الذهن المبادرات التي تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بلعب هذا الدور الهام لأذكر بمبادرة وزارة التعليم العالي بإرسال عدد من الأكاديميين الى أمريكا لتوضيح الموقف السعودي وحقيقة المواطن البسيط مباشرة الى الآخر من خلال منابر الجامعات ذات التأثير البالغ كما ذكرنا على فئات المجتمع المختلفة خاصة في مجتمعات أمريكية توسم بالعلمية اذ تأخذ بنتائج البحث العلمي أسلوبا في تنمية ممارساتها الحياتية وهنا تربط بالدور الذي تلعبه الجامعات من خلال احد أهدافها المتمثل في تطوير البحث العلمي.
نعود مرة أخرى الى المبادرة الفكرية لوزارة التعليم العالي مفترضا لها التخطيط المسبق بأهداف فعملية محددة بعيدة عن المثالية ذات البعد المتوسط او البعيد. وتلك الأهداف التي نأمل منها ان تأتي بنتائج فورية مؤثرة لنضعها مرة اخرى على مائدة التقويم ونعمل على تطويرها بما يحقق أهدافا أكثر تقدما وهكذا حتى نصل الى تلك المتوسطة والبعيدة.
ان ما نصبو اليه وان كنت لست عالما بمحتوى هذه الزيارات إلا انني اجزم بان الهدف العام هو ايصال رسالة الشعب السعودي الى الآخر ولعل الاختلاف يكمن في الأهداف التفصيلية لمثل هذه المبادرات والتي أزعم بانها تؤكد على الموقف من التداعيات العالمية المتسارعة وشرح ماهية الشعب السعودي وآليات تفكيره ورغبته في التعامل المتسامح مع الآخر من منطلقات عقائدية محضة.
بل وايضاح التفاوت الفكري الذي تعيشه كافة الشعوب بما فيها الشعب السعودي ونفى صفة التعليم عن الشعوب. ان المسألة باعتقادي المحض بحاجة الى التأكيد على التلمس الفكري من خلال الكشف عن الأساليب الفكرية للآخر تجاه الشعب السعودي ومن ثم التركيز عليها في حوارات علمية بعيدة عن منهج الدفاعية والتمسك بالرأي وتجاهل الآخر.
ان ما نحن بحاجة اليه من هذه المبادرات ينبغي الا يقف عند حد ايصال رسالة محددة بل الاستماع الى الرأي الآخر وطرائق تفكيره ومن ثم طرح الأفكار البديلة التي تنقص هذا التفكير او ذاك عن مجتمعاتنا. فبالحوار سنصل الى مبتغياتنا وليس بالكشف عن وضع راهن او ممارسات ايجابية دون تحليلها ووضع التفسيرات المقنعة لها.
ان حوارنا مع الآخر ينبغي ان يستند على منطلقات مشتركة مع الآخر وليس على معتقدات فردية ينكرها الآخر وإلا سندور في حلقة مفرغة يصعب علينا من خلالها اقناع الطرف الآخر بقبولها طالما انه ينكرها من الأساس فبالعلم والمنطق والعقلانية نستطيع ان نصل الى الطرف الآخر ونحقق اهدافنا.
اما المبادرة الأخرى فهي المشروع الذي يقف وراءه الأمير خالد بن فهد بن عبدالله بدعوته عددا من الأكاديميين من ذوي المكانة المرموقة بالجامعات الأمريكية وعقد جلسات حوارية ونقاشية لتوضيح ماهية الفكر السعودي تجاه الآخر انطلاقا من المبادىء المشتركة بين الطرفين والتي اتصور ان اكتب عنها محللا عندما احصل على معلومات وافية عن هذا المشروع الفكري المتسم بالانفتاحية تجاه الآخر ولعل التعليق على ذلك سيكون موضوع مقالة لاحقة.
وباعتقادي اننا بحاجة الى تغلغل أكبر بين صفوف الشعوب الأمريكية في خطوة سابقة لمثل هذه المبادرات الايجابية لنتلمس حقيقة التفكير لدى هذه الشعوب ونقاط الضعف في طرائق تفكيرها وما ينقصها من معلومات لنعد خططنا على هذه النواقص ومن ثم تأتي هذه المبادرات بأهداف تشبع الميول الفكرية للطرف الآخر ونكسب المعركة ونفوت الفرصة على المرجفين.
وأنا أعي تماما صعوبة الوصول الى مثل هذا الأمر ولكن بالاستعانة بمراكز البحوث المحلية واجراء المسوحات وتحليلها وتفسيرها والاستفادة من نتائجها لعله هو السبيل الأمثل لمثل ذلك. فلتكن من سماتنا القدرة على سماع الآخر ونقده ومن ثم وضع اطار للعمل والتخطيط المتقن والمشاركة في التنفيذ ومراعاة الاعتبارات الإنسانية المشتركة ومن ثم الوقوف على التقويم وبعدها إحداث التغيير الذي ننشده لنتغلب على المواقف الطارئة كالتي نعيشها في وقتنا الراهن.