هذه الفوضى الجارفة التي نشاهدها في العراق سوف تستمر طويلا , وستمر بمنعطفات قريبة من الهاوية إن شعبا ولد تحت سلب ارادته ونهب انسانيته وتحويله الى آلة صماء لا يمكن في فترة خاطفة أن يبلغ مرحلة النضج ويتفتح حقله النفسي على أزهار التسامح.
لا يكفي ان نقول ان هذا الشعب وارث حضارة ازدهرت منذ آلاف السنين , وصنعت للبشرية اولى مفاتيح الأبجدية والشعر والنظر الى الخلود , نعم لا يكفي هذا فهناك انقطاعات في الزمن الحضاري , وهذه الانقطاعات تجعل الأجيال الحاضرة منبتة الصلة بالإشراق الولود الذي كانت عليه تلك الحضارة.
وهذا ليس وقفا على حضارة العراق , بل هو سنة كونية تسري في جميع الحضارات , فالحضارة اليونانية والفرعونية والصينية لا نجدها الا ان في هذه البلدان , والحضارة الإسلامية العربية في عهودها الزاهرة لا نجد غير اطلالها في كل بلد عربي او إسلامي , إذن فالعراق أو أهل العراق لا يتمثلون تلك الحضارة الا في ( اللاوعي) واللاوعي مهمته ينتج شعرا لاستقرار يقضي على الفوضى.
ما نشاهده في العراق الآن ليس ديمقراطية أبدا..
فالديمقراطية اختيار وتحمل مسئولية ذلك الاختيار وقد قامت حاجة الشعوب الضرورية الى الأحزاب لأنها تنظم تيارات الرأي في المجتمع بما تطرحه من برامج ومنهجية لهذه البرامج , وما تفعله من سدود امام أي فيضان عفوي.
الفوضى دائما خطيرة على تماسك المجتمع واستقراره , ولكن خطورتها نسبية والفوضى في العراق اشد خطرا من غيرها لا لأنها ترفع شعارات متناقضة , بل لأن هذه الشعارات تعبر عن مرحلة ماضية تختلف المرحلة الحاضرة عنها اختلافا جذريا , إنه واقع جديد وككل واقع جديد يحتاج الى شعارات جديدة والى الأهم وهو المرجعية لتلك الشعارات.
لقد قضى الطاغية صدام على الحزبية في العراق , وهي جريمة كبرى ولدت هذه الفوضى التي لا يدري احد إلى أين ستتجه وبالتالي لا أحد يدري ما المصير؟
ليس لي ولك ولها غير أن نتمنى .. نتمنى ان يعود العراق مزدهرا يكذب ما قلته شخصيا قبل سنين من قصيدة طويلة:
==1==
وإذا بالعراق يجري الفراتان ==0==
==0==به القهقري وتهـوى الجنان
==2==
