أخبار متعلقة
وجهت روسيا اهتمامها الى منطقة آسيا الوسطى في محاولة منها لإعادة تأكيد نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق واحياء مشروع استغلال الاحتياطيات النفطية في بحر قزوين التي قدرتها دوائر نفطية بما يزيد عن 300 مليار برميل من الخام، وهو ما يعادل أكثر من نصف الاحتياطيات النفطية المؤكدة بالشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي أحكمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية قبضتها على العراق وآباره النفطية، نشطت روسيا والبلدان المطلة على بحر قزوين في منطقة وسط آسيا على أمل انعاش مشروع وصفه مراقبون بأنه يمثل احد (شرايين الحياة) للقرن الحادي والعشرين، ولاسيما بعدما استشعرت بلدان المنطقة حالة الفتور التي أبدتها الشركات النفطية الأمريكية حيال المشروعات القزوينية بعدما سقطت آبار النفط.
ويعزو محللون نفطيون أسباب عزوف شركات البترول الأمريكية مؤخرا عن الاستثمار في منطقة بحر قزوين وتركيز نشاطها على العراق الى عدة عوامل من بينها ارتفاع تكلفة استخراج النفط في تلك المنطقة قياساً بالعراق التي تتدنى فيه تكاليف الاستخراج إلى نسبة يعتبرها البعض من أقل التكاليف على مستوى العالم فضلا عن أن العراق يملك ثاني أكبر احتياطى نفطي في العالم بعد المملكة .
ويقول محللون نفطيون إن روسيا يساورها القلق من أن تقوم الحكومة العراقية الجديدة بإعادة النظر في العقود النفطية التي أبرمتها حكومة العراق السابقة مع الشركات الأجنبية ومنها الشركات الروسية.
وكانت شركات النفط الروسية والفرنسية وقعت عقودا لاستغلال حقول نفط عراقية باستثمارات قدرتها شركة لوك اويل بنحو 6 مليارات دولار لتطوير إنتاج حقول (القرنة) العراقية.. غير أن تلك المشاريع لم تنفذ بسبب العقوبات الدولية المفروضة على العراق.
وتقدر احتياطيات العراق حسب اوساط نفطية بنحو 120 مليار برميل فيما بلغ إنتاجه اليومى 2.8 مليون برميل قبل حرب الخليج الثانية.
ومن المتوقع أن يقفز خلال الأعوام الخمسة القادمة إلى ما بين خمسة أو ستة ملايين برميل.
وعلاوة على المزايا التي يتمتع بها النفط العراقي وهو الأمر الذي أسال لعاب شركات النفط العالمية تأتي فرص الاستكشاف الميسرة في الأراضي العراقية التي لم تشهد أية عمليات استكشافية منذ مطلع الثمانينات. وكانت دوائر نفطية عراقية قالت إنه تم تعيين 526 موقعا للاستكشافات النفطية لم يشهد سوى 180موقعا منها فقط عمليات استكشاف قامت بها شركات غربية خلال السنوات التي سبقت الحظر المفروض على العراق منذ غزوها للكويت في 1990م.
ويذهب عدد من المراقبين إلى تفسيرات أبعد مدى فيما يتعلق بنوايا الولايات المتحدة في أنحاء متفرقة في العالم وليس العراق فقط، اذ يعتبرون أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستهدف من وراء حربها في أفغانستان القضاء على نظام طالبان وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فحسب بل السيطرة على موارد البترول في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
ويستند مراقبون في ذلك إلى مقولة يرددها سياسيون أمريكيون إذا أردت السيطرة على العالم يجب أن تتربع على عرش منابع الطاقة بنفسك فيما أشاروا إلى أن سياسة واشنطن حيال العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تنطلق وفق استراتيجية شاملة وضعتها إدارة الطاقة الأمريكية لتأمين مصادر الطاقة على المدى القريب والبعيد.
ويعتبر محللون آخرون أن الولايات المتحدة الامريكية ايقنت انها لو استطاعت (ابتلاع العراق) فإنها ستكون قد ابتلعت نفط الشرق الاوسط ويمكنها بذلك ان تحدد سعره فضلاً عن الامدادات المتجهة للصين واليابان وأوروبا وآسيا وهذايعني أنها ستصبح قادرة على الحفاظ على مستويات نمو محددة لاقتصادها في وقت تحجم فيه مستويات النمو وأيضا الازمات في باقى دول العالم.
أما بالنسبة للشريان الثاني للحياة النفطية في القرن العشرين حسب ما يحلو لبعض المراقبين وصفه وهو بحر قزوين فيرى محللون أن ارتفاع تكاليف استخراج ونقل نفط بحر قزوين للاسواق هي السبب الرئيسي في عزوف الشركات الأجنبية ولاسيما الأمريكية بعد سقوط آبار العراق. واشار هؤلاء المحللون إلى أن تكاليف الانتاج النفطي في تلك المنطقة تحمل بأعباء نقل تصل الى نحو 12 دولارا للبرميل الواحد حسب تقديرات خبراء نفطيين.
ووفقا لتقديرات الجيولوجيين فإن الاحتياطيات النفطية في بحر قزوين تناهز300 مليار برميل وهي تقدر بنصف احتياطيات الشرق الأوسط بأكمله وينظر الخبراء إلى تلك الاحتياطيات باعتبارها تشكل مع نفط العراق الشريان التاجي للقرن الواحد والعشرين وخاصة أن الطلب العالمي على النفط مرشح للنمو من 77 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن الى 120 مليونا خلال 20 عاما حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة.
وتجد روسيا المناخ في الوقت الراهن مواتيا لمغازلة بلدان بحر قزوين من أجل إحياء مشروع استغلال نفط بحر قزوين بعد تراجع نشاطها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي بسبب الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لمكافحةالإرهاب والتي بدأتها بأفغانستان بهدف القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن.
وفي إطار جهودها في هذا السياق حرصت موسكو على ابرام اتفاقية مع كل من كازاخستان وأذربيجان خلال العام الماضي حول تقسيم ثروات بحر قزوين استنادا الى خط فاصل اقترحه الروسيون يعتمد على الحقوق الشاطئية للدول المطلة على البحر على ان يتم اقتسام ثروات البحر وفق مساحة إطلال كل دولة عليه.
غير ان ايران وتركمانستان أبدتا رفضهما لهذا الاقتراح ونادتا بمبدأ تساوي حقوق الاستغلال على نحو متساوٍ بين الدول الخمس بنسبة 20 في المائة لكل دولة بغض النظر عن طول سواحلها وهو ما يعني حرمان أذربيجان من استغلال العديد من حقول النفط التي تستغلها حالياً وتقع في المنطقة المقابلة لسواحلها.
وسعت ايران وتركمانستان الى الوصول لصيغة توفيقية في هذا الخصوص عبرالتوصل الى تفاهم نهائي مؤخرا بشأن إ برام اتفاقية ثنائية بينهما لتقسيم الجزء الجنوبي من بحر قزوين. وعلق نافروز ماميدوف رئيس القسم الدولي في مكتب الرئيس الاذربيجاني حيدرعلييف على التفاهم الايراني/ التركماني بقوله: إن توصل الدولتين الى إمكانية توقيع اتفاقية لتقسيم بحر قزوين يعد غاية في التقدم وخاصة انهما كانتا ترفضان الاعتراف بأية اتفاقيات بين الدول المطلة على البحر وتصران على التوصل الى اتفاقية مشتركة بين فريق بحر قزوين الذي يضم خمس دول هي ايران واذربيجان وروسيا وتركمانستان وكازاخستان. ويشير المحللون الى أن عددا من دول وسط آسيا بصفة عامة أبدت ترحيبا باهتمام روسيا الخاص بإعادة نفوذها وتأثيرها في المنطقة في هذه الآونة التي بات فيها اهتمام واشنطن بالعراق هو شغلها الشاغل إلا أن هناك دولا غير متحمسة لإعادة تنشيط وإحياء العلاقات مع روسيا ولاسيما أوزبكستان التي قدمت تسهيلات مهمة لواشنطن في حربها مع افغانستان. وكثف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مباحثاته مع زعماء دول وسط آسيا وعلى الأخص شركاء بحر قزوين، حيث بحث مؤخراً مع رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نزارباييف سبل التعاون في مجال الطاقة خاصة في بحر قزوين.. والمعروف أن معظم البترول الكازاخستاني يصدر عبر خطوط أنابيب نفط روسية.
كما اتجه بوتين إلى جارته تركمانستان مركزا في محادثاته التي أجراها الشهر الماضي في موسكو مع الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف على مشروعات الطاقة والأدوار المرشحة التي يمكن للشركات الروسية أن تقوم بها في مجالات تطوير وتصدير البترول التركماني. وأسفرت المفاوضات عن توقيع الطرفين على اتفاقية ثنائية لتعزيز التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي التركماني وتصديره الى روسيا لمدة 25 عاما.
ومن جانبها قالت ساوليا موخاميتراخيموفا مديرة منطقة وسط آسيا بمعهد تقاريرالحرب والسلام الذي يتخذ من لندن مقرا له أن الأشهر العديدة الماضية أظهرت أن روسيا تخطو خطوات نحو إعادة تأكيد نفوذها في وسط آسيا..
وأعربت موخاميتراخيموفا عن تأييدها للرأي القائل بأن زعماء وسط آسيا ربما يبحثون عن تأييد موسكو خاصة إذا ما ووجهت تلك الدول بمطالب جديدة من واشنطن تتعلق بتبني سياسات أكثر تحررا من خلال تقديم تنازلات لأحزاب المعارضة بهدف تخفيف حدة التوتر واليأس في الحياة السياسية في تلك الدول.
وترى المحللة الروسية أنه على الرغم من أن حكومات وسط آسيا ترحب بالمساعدات الحالية التي تقدمها واشنطن إلا أنهم لن يناصروا المبادئ التي تنتهجها الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها موسكو في الوقت الراهن لاقرار واقع جديد داخل منظومة بحر قزوين وبلدان وسط آسيا إلا أن الصورة لاتخلو من المعوقات وهو ما خصت به المحللة الروسية ساوليا دولة أوزبكستان التي تعارض إعادة إحياء علاقتها مع روسيا وتبدي ترددا مشهودا في احداث تقارب مع موسكو.
وقالت إن اوزبكستان كانت في طليعة دول المنطقة التي ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد أفغانستان وتعد أيضا أول من استضاف القوات الأمريكية على أراضيها. واشارت إلى أنها تسعى لاضفاء قدر من الاستقلالية بعيدا عن الروس في الوقت الذي تسعى جاهدة الى تكوين شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة على المدى الطويل.وتبقى التساؤلات قائمة بشأن مدى قدرة روسيا على إذابة الخلافات التي نشبت بين أطراف بحر قزوين حول حصص تقسيم الثروات النفطية وعلاج بعض أوجه القصور فيما يتعلق بقوانين الاستثمار في بعض الدول فضلا عن إزالة الخلافات السياسية التي اعترت علاقات بلدان وسط آسيا نتيجة التدخل الأمريكي في تلك المنطقة.
النفط العراقي استأثر باهتمام الشركات الامريكية