اكد محمد بن علي المسلم الامين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية ان الارقام المتاحة عن حجم الانفاق على البحوث العلمية والتطوير التقني تشير الى ان الدول العربية ومنها دول مجلس التعاون تأتي في مراكز متأخرة على قائمة تقديرات انفاق دول العالم في هذا المجال ففي حين انه لم تزد ميزانية البحث والتطوير للدول العربية في عام (1995م) على 750 مليون دولار، فان اجمالي الانفاق العالمي وصل الى 500 مليار دولار في العام المذكور.
وتتعدى نسبة انفاق الدول الصناعية على انشطة البحث والتطوير 3 بالمائة من اجمالي الناتج المحلي، وفي الوقت نفسه فان ما يؤخذ على العالم العربي في هذا الشأن ليس ضعف الانفاق على انشطة البحث والتطوير فحسب، بل غياب التعاون والتنسيق بين مراكز البحوث والتقنية العربية ايضا.
وقال المسلم في تصريح لـ (اليوم) ان الدول النامية وعت حقيقة ان نقل وتوطين التكنولوجيا لا يتأتى بشراء الجديد منها، حتى وان اصبحت عملية الحصول على التقنية الحديثة مؤخرا متاحة، واقل صعوبة بفضل ثورة الاتصالات التي جعلت انسياب المعلومات لا يتطلب الكثير من الجهد والوقت، حيث ان امتلاك التقنية يتطلب اكثر من مجرد توفير المال، باعتبار ان الحصول عليها بالشراء ليس هدفا في حد ذاته فالاهم هو توطين التقنية بكل ما يعني ذلك من استيعاب وتدريب وتأهيل للكوادر الوطنية واستغلال وتطوير لها، وبما يتناسب والظروف والاحتياجات المحلية.
واضاف المسلم: ان التجربية الكورية هي ابلغ مثال على ما يحققه الاهتمام بالبحث العلمي والتطوير التقني من تقدم للمجتمعات مشيرا الى انه في بداية الستينات لم يكن انفاق كوريا الجنوبية على البحث والتطوير يتجاوز 2 من العشرة بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، ليرتفع في عام 200 الى حوالي 5 بالمائة الامر الذي يفسر السبب وراء ما حققته كوريا الجنوبية من نجاح صناعي في السنوات الاخيرة. وقال: انه مع التقدير الكبير لما سجلته دول مجلس التعاون من تطوير في مجال التنمية الاقتصادية والصناعية حيث يربو عدد المنشآت الصناعية في دول المجلس على 7300 مصنع يتجاوز حجم الاستثمار فيها 80 مليار دولار امريكي، وتستخدم احدث التقنيات وتطرح متنجات بمواصفات عالمية وعلى الرغم من وجود العديد من مراكز البحث العلمي في دول المجلس في مقدمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومعهد الكويت للابحاث العلمية، ومعهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن والعديد من الجامعات الخليجية الاخرى.
الا ان دول الخليج العربية لا تزال تعتمد على استيراد الخدمات التكنولوجية لمعظم الصناعات القائمة والمشاريع الجديدة، ومثل هذا الوضع يعزو الى عدد من الاسباب في مقدمتها غياب التصور الواضح لاهمية البحث والتطوير كجزء من البنية التكنولوجية والعلمية اللازمة للتنمية الصناعية واستمرار الاعتماد على الحكومات في هذا المجال، على العكس مما هو مأمول في الدول المتقدمة حيث يتولى القطاع الخاص الجزء الاعظم من المسئولية وعدم وجود التنسيق المطلوب بين مراكز البحوث والجامعات والفعاليات الصناعية، والاهم من ذلك هو غياب التشريعات المنظمة والمحفزة للبحث والتطوير في دول المجلس.
واضاف ان الظاهرة الابرز فيما يتعلق بمسألة البحث العلمي في دول الخليج العربية تتمثل في حقيقة ان معظم البحوث العالمية المنجزة لا تجد طريقها للتنفيذ في معظم الاحيان لسبب جوهري هو الافتقار لسياسة التسويق المطلوبة لهذه البحوث، وعلى سبيل المثال لا الحصر فان عدد الابحاث التي انجزتها جامعة الملك عبدالعزيز بلغت في عام 1998 اكثر من 809 ابحاث ولم تتم الاستفادة من معظمها في ظل غيب الآلية والجهاز المناسبين لتسويقها، وفي المقابل هناك معاهد وجامعات اجنبية تطرح الآلاف من البحوث العلمية تجد طريقها للتطبيق الفعلي بفضل سياسة تسويقية محكمة تتولاها مؤسسات متخصص تكون تابعة في العادة لنفس المعهد.
واشار امين عام منظمة الخليج للاستشارات الصناعية الى ان معالجة المشكلة المتمثلة في استمرار اعتماد الصناعة الخليجية على الخارج في عملية التطوير التقني، يتطلب تعاون القطاعين الحكومي والخاص والانفاق بشكل اكبر على عملية البحث العلمي، وانشاء المزيد من مراكز البحوث، ودعم القائم منها، وبخاصة ما يتعلق بتسويق مخرجاتها من نتائج البحث لكي تجد طريقها الى التطبيق العملي، وايجاد آلية مناسبة للتنسيق والتعاون سواء بين مراكز البحوث الخليجية نفسها، او بين هذه المراكز والمنشآت الصناعية، لضمان عملية النقل الفعلي لنتائج البحوث الى الصناعة، ولا ننسى توفير البيئة المناسبة.. ومن ذلك التشريعات المنظمة للبحوث والحوافز للاستفادة منها.