ها قد بدأ شهر مايو.. وماهي الا اسابيع معدودات وتبدأ عطلة المدارس الصيفية وتبدأ معها حركة الناس لقضاء الاجازة والتمتع بأوقاتها سواء بالسفر الى الخارج او باختيار أحد الاماكن الجميلة بالمملكة.. وهي كثيرة ولله الحمد .. لقضاء الاجازة بها وهم من الآن وربما قبل ذلك يعدون ويستعدون لهذه العطلة وها هي اللجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية بالاحساء تعقد اجتماعا لمناقشة الترتيبات اللازمة لتنظيم مهرجان الصيف والاستعداد لاستقبال ضيوف الشرقية الذين يفدون اليها لقضاء شهور الصيف بين ربوعها والاستمتاع بجمال شواطئها. ولا يحدث هذا في المملكة فقط بل في كل ارجاء الدنيا حيث اصبح السفر للسياحة ظاهرة عصرية عالمية تحتل مكانة متقدمة بين اولويات الناس وأضحى ذلك من أهم ظواهر النشاط الانساني خلال النصف الثاني من القرن العشرين فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتطور الهائل الذي شهده العالم في وسائل المواصلات والاتصالات ازدادت حركة الناس وبدأ الانفاق على السياحة يتعاظم ويستحوذ على جزء كبير من انفاق الاسرة في كثير من دول العالم وقد وصل الامر في اغلب المجتمعات الى لجوء الاسرة الى تخصيص نصيب مهم من دخلها لاغراض السفر والسياحة والترفيه باعتبار ذلك من الضروريات الحياتية ولحاجة الفرد اليه في عصر تسارعت فيه الخطى وكثرت فيه الصراعات والنزاعات اضافة الى تعقد الحياة وتشابك خطوطها بحيث اصبح الترويح عن النفس ضرورة ملحة ولازمة لتوافق الصحة النفسية والفكرية والثقافية وغير ذلك من المتطلبات الانسانية وعلى سبيل المثال.. فقد وصل ما انفقه السعوديون على السياحة الخارجية عام 1997م مبلغ 30.8 مليار ريال اى ما يعادل 5.6% من الناتج المحلي الاجمالي للمملكة وبما يعادل 17.3% من اجمالي قيمة الصادرات النفطية من العام نفسه.
المصدر جريدة الشرق الاوسط العدد 7239 - 1998م.
وبخلاف دوافع الناس للسفر فللسياحة أهمية اقتصادية كبرى في كونها تؤدي الى تنشيط القطاعات الاقتصادية الاخرى وتوسيع او تكوين اسواق جديدة للصناعات المحلية وزيادة الفرص الاستثمارية امام القطاع الخاص مما يزيد من مشاركته في عمليات التنمية الشاملة فضلا عما يوفره النشاط السياحي من فرص عمل كثيرة ومتنوعة.
وقد ادركت حكومة المملكة - حفظها الله - اهمية هذا القطاع فأولته من الاهتمام والرعاية القدر الذي يحقق له الانطلاق والازدهار فأنشأت لذلك الهيئة العليا للسياحة التي أخذت على عاتقها واجبات ومسؤوليات التنمية السياحية لكل مناطق المملكة ووضع الخطط والبرامج التي تحقق ذلك والتي تكفل للمواطن السعودي أماكن راقية وجذابة يجد فيها مطلبه ومبتغاه وتصرفه عن السفر الى الخارج وبالتالي تدوير المبالغ الكبيرة التي تنفق في هذا النشاط ضمن دولاب الاقتصاد الوطني وما يترتب على ذلك من تنشيط القطاعات الاقتصادية الاخرى. وبالرغم من تعدد دوافع الانسان للسفر والسياحة واختلافها من منطقة الى اخرى ومن مجتمع الى آخر فانه يمكن تصنيف دوافع الحركة السياحية والمرتبطة مباشرة برغبات السياح الى خمسة أنواع:
الاولى: السياحة الترفيهية: وهي أكثر انواع السياحة أهمية وانتشارا.. حيث أصبحت حاجة اجتماعية ضرورية لانسان العصر الحالي نتيجة لتسارع ايقاع الحياة وما تحمله من ضغوط مختلفة.
الثانية: السياحة الثقافية والتاريخية
وهي بغرض الاطلاع على الاماكن التاريخية والتعرف على حضارات الشعوب الاخرى وعاداتها ومعتقداتها وفنونها.
الثالثة: السياحة الدينية
كثير من اهل العقائد والديانات المختلفة يسافرون لزيارة الاماكن والمقدسات الدينية لديهم.
الرابعة: السياحة العلاجية او الاستشفائية.
يسافر كثير من الناس بغرض الراحة والاستجمام او زيارة المصحات والمستشفيات او تنفيذا لارشادات الاطباء بتغيير البيئة لاغراض صحية.
والخامسة: السياحة الاجتماعية وإنجاز الأعمال.
يسافر كثير من الناس مدفوعين بالرغبة في زيارة الاقارب والاصدقاء او زيارة وطن الاجداد او من اجل التميز الاجتماعي وارضاء النفس (الأنا).. وتشمل هذه السياحة ايضا الرحلات التجارية وحضور المؤتمرات العلمية والمعارض الدولية وتلبية دعوات رسمية. ويمكن القول إن هذه الانواع ليست منفصلة كليا عن بعضها البعض.. وانما تتداخل وتتكامل فيما بينها ويتوافر بالمملكة العديد من مقوماتها (الطبيعية والتاريخية والاثرية والدينية) والتي من الممكن تحويلها الى منتج سياحي ذي قيمة عالية تضاف الى الاقتصاد الوطني اذا ما تم استثمارها وتنميتها في ضوء سياسة تعمل على قيام صناعة سياحية حديثة ومتكاملة.
ان التطور الكبير الذي شهده القطاع السياحي وتحوله الى صناعة مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في معظم دول العالم.. جعلها بندا حاضرا واصيلا في خطط التنمية فهي مصدر للدخل الوطني وعامل في تحسين ميزان المدفوعات وهي خدمة اجتماعية عصرية ضرورية تفرضها طبيعة الحياة المتسمة بالقلق والتوتر والازهاق الجسدي والذهني وهي فوق كل ذلك قطاع اقتصادي ينشط ويوسع قاعدة الاقتصاد الوطني.. وبالرغم من توقف الخط البياني للنشاط السياحي في بعض البلدان وانكساره في بلدان اخرى نتيجة للمناخ الدولي الذي ساد العالم عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الا ان هذه الحالة سوف تتلاشى سريعا ويعود الاهتمام بالسياحة الى سابق عهده ان لم يتعاظم.. والقطاع السياحي بالمملكة يمكن ان يلعب دورا مهما وبارزا في الانماء الاقتصادي والاجتماعي اذا ما اولى ما يستحقه من عناية واهتمام ابتداء من التخطيط السياحي في مجالات الاستثمار والاعلان والتسويق وتوفير التسهيلات اللازمة لنمو وازدهار هذا النشاط.. وتكمن اهمية التخطيط السياحي في كونه يحقق وجود استراتيجية طويلة الامد للتنمية السياحية واعداد خطة للاستثمار السياحي بالمملكة يتم الربط من خلالها بين مستويات ثلاثة:
(المستوى المحلي - والمستوى الاقليمي - والمستوى الوطني) ويعني ذلك ان المناطق التي يتوفر بها (عوامل جذب سياحي) او مغريات سياحية .. ولا يتوافر بها في الوقت نفسه إمكانيات أخرى (صناعية او زراعية) عندئذ تكون التنمية السياحية في هذه المناطق اختيارا مقبولا.. كما ان التخطيط السياحي يجب ان يكون حصيلة لتعاون وتفاعل الطموحات والامكانيات بين الاجهزة الحكومية المختلفة والقطاع الخاص ممثلا في الغرف التجارية ضمن اطار تنسيق عام تتولاه الهيئة العليا للسياحة خاصة في مجالات تجهيز البنية الاساسية وتطوير الشواطىء الساحلية وتوفير المرافق والخدمات الاساسية بها وانشاء مركز للمعلومات السياحية يضم معلومات دقيقة عن عدد السياح ونسب الاشغال بالفنادق وما الى ذلك من معلومات تفيد في وضع الخطط السياحية المستقبلية كما لا يجب اغفال مجال التعليم والتدريب وتضمين المناهج مقررات تتحدث عن المعالم السياحية بالمملكة (تاريخية ودينية وخلافه) كما ان الاهتمام بالجانب الاعلامي من خلال بث برامج متخصصة في وسائل الاعلام المختلفة.. المقروءة والمرئية والمسموعة.. سوف يفيد في نشر الوعي السياحي بين المواطنين فضلا عن التعريف بالبرامج والأماكن السياحية.
واخيرا فانه من المفيد رصد ما يجري حولنا في عالمنا المعاصر من تطورات وتكتلات اقتصادية واندماج شركات كبرى لتكوين كيانات اقتصادية عملاقة تفوق ميزانية بعضها ميزانية عدة دول من عالمنا النامي. السيد البنا