عنوان هذا المقال شعاراً اكثر من أن يكون عنواناً اتخذه مشروع تيسير الزواج بالمنطقة الشرقية للقيام بالمهمة الكبيرة والأمانة العظيمة الملقاة على عاتقه في توطيد أمن بلدنا الاجتماعي، وبالتحديد المحافظة على بناء الأسرة من الهرم أو النخر البطيء في أساساتها مما ينذر مع هبوب رياح التغريب والعولمة من اهتزاز وربما تحطم ـ لا سمح الله ـ هذا البناء الأساس في مجتمعنا المسلم.
إن مشرع تيسير الزواج جاء والمجتمع في أشد الحاجة إليه لقد جاء هذا المشروع المبارك لتحصين الشباب والفتيات وإحياء مبدأ التكافل الاجتماعي وترسيخ مفهوم الأسرة المسلمة وتحقيق مقومات السعادة الزوجية والاطمئنان الأسري لكافة أفراد المجتمع.
ولهذا أمر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية منذ عام 1415هـ بإنشاء هذا المشروع ودعمه مالياً ومعنوياً انطلاقا من حرص ولاة الأمر على ترسيخ قواعد الأمن الاجتماعي في البلاد.
ولم يقف هذا المشروع عن تقديم المزيد لمجتمعه، فبالإضافة للمساعدات المالية والعينية لكل شاب مستحق للمعونة والتي بلغت ملايين الريالات قام المشروع بتشكيل لجان للتوفيق بين راغبي الزواج من الجنسين عبر برنامج علمي مدروس، وهذا لا شك انه يساهم الى حد بعيد في حل مشكلة العنوسة التي تشكل مخاوف في المجتمع وهاجسا مرعب لبناتنا العفيفات ومما يؤكد وجود هذه الظاهرة ما جاء في إحصائية وزارة التخطيط في المملكة ـ والعهدة على صحيفة الشرق الأوسط ـ أن عدد البنات اللاتي تجاوزن سن الزواج المحدد اجتماعياً بلغ العام الماضي مليونا وخمسمائة وأربعة وتسعين ألفا وثماني عشرة بنتاً سعودية، كلهن فوق سن الثلاثين ومعنى هذا أن ثلث السعوديات عوانس وهذه الإحصائية إن صحت فإنها تعني وجود ظاهرة خطيرة قائمة لا يعفى عنها مسؤول له قرار، أو مؤسسة تربوية لها دور في الحل، أو جهة اجتماعية معنية في الأمر، وهذا التقاعس العام قد حفز بعض الغيورين والمهتمين في الجهات الخيرية لبذل المزيد من المساعي في إصلاح وعلاج مثل هذه الظاهرة وغيرها ولا نقصر تفكيرنا على حل مشكلة العنوسة فقط بل نوسع دائرة أهدافنا العملية لتشمل أهم القضايا الاجتماعية والتي لا تقل خطورة عن سابقتها وهي ما يتعلق بتوعية الشباب بأهمية الزواج والفقه في أموره ومتطلباته والتأكيد على الحقوق والواجبات لكلا الزوجين وذلك من أجل استقرار الحياة الزوجية وللمتزوجين حديثاً على وجه الخصوص.
وللأسف ان إحصائيات الطلاق تزداد ولا تنقص وقد ذهلت لما قرأت إحصائية عام 1419هـ حول الطلاق والتي أصدرتها وزارة العدل تبين فيها أن 30% من حالات الطلاق يقع بين زوجين في العام الأول من زواجهم ولأسباب تافهة في أكثرها، وهو ما أكدته دراسة نشرتها جريدة المدينة في ملحق الأربعاء تاريخ 14/1/1421هـ أن 90% من حالات الطلاق تقع لأسباب تافهة كما أشرت.
كما تذكر إحصائية وزارة العدل أن عدد صكوك الطلاق من نفس العام بلغت 15169 وبلغت في 1423هـ أكثر من 16 الف حالة طلاق.
فإذا كان متوسط تكلفة الزواج 50 ألف مثلا، فإن الخسائر المادية تصل إلى 785 مليون ريال سنوياً فضلاً عن الخسائر التي لا تقدر بثمن كتصدع الروابط الأسرية وتفشي الأمراض النفسية وتشرد الأبناء وجنوحهم مستقبلاً إلى غيرها من الآثار التي لا تخفى على ذي بصيرة عاقل متأمل.
وأمام هذه الظاهرة الخطيرة أيضا قام مشروع تيسير الزواج بما في وسعه مشكوراً بالإرشاد وتوجيه الناس حول خطورة الطلاق والتفكك الأسري والتعريف بأساسيات الزواج الناجح وذلك بإقامة المحاضرات الدينية وإصدار النشرات التثقيفية وتفعيل الاستشارات الفردية وإقامة الدورات الأسرية الهادفة.
ومشروع تيسير الزواج الآن بصدد وضع أرقام هاتفية تعمل في أوقات محددة على مدار العام لعلاج المشكلات الطارئة بين الأزواج والعائلات أو ما يتعلق بقضايا الأبناء والأحداث يجيب عليها نخبة من أهل العلم والفكر والاختصاص إلى غيرها من الأهداف العظيمة والوسائل العملية التي يقدمها المشروع تباعا لمجتمع المنطقة.
يبقى سؤال كبير يجب أن نسأله أنفسنا ونبحث له عن جواب عملي. ماذا يجب علينا أن نقدمه لهذا المشروع المبارك؟ ان قدرات الناس وظروفهم متفاوتة والمجتمع يكون مجتمعاً عن جدارة بمقدار ما يحس أفراده ببعضهم وعلى مقدار ما يجري فيه من أنواع المراعاة والمعاونة ومن خلال هذا التجانس والانتماء يمكن أن نحدد أهم المحاور العملية التي ينبغي الإسهام فيها لإنجاح مشروع تيسير الزواج وكل مشروع اجتماعي يمكن أن يحقق لنا الوحدة والأمان:
- ان كثيراً من الظواهر الاجتماعية الخطيرة هي أثر لضعف الوازع الديني في نفوس الناس ويتجه لقلة الوعي الحضاري والثقافي بينهم ومهمة زرع الوازع الديني ورفع مستوى الوعي هي مهمة كل فرد في المجتمع يبدأ بنفسه ثم من يعول وهكذا تتوسع دوائر المسؤولية لتشمل كل المؤسسات المعنية وبالأخص المؤسسات التربوية والإعلامية فهجمة البث الفضائي والصحفي قوية ومحكمة في هدم الثوابت وزعزعة قيم المجتمع ينبغي صدها وتحصين الأجيال من غزوها الفكري والخلقي. وإذا قمنا بذلك متكاملين متعاونين نجحنا. وإذا انعزلنا وأهملنا واجب مجتمعنا فإننا عندها نتحول كمجتمع إلى حشد أجساد لا تربط بينهم سوى روابط شكلية تافهة سهلة الحصول وحينئذ فلن يكون ثمة رابح ولن ينجو أحد!. ومن هنا كانت الحاجة للعلماء والقضاة والمثقفين والمعلمين وغيرهم للقيام بدورهم في التوعية والتثقيف والتعاون المباشر مع أنشطة المشروع وغيره من الأنشطة التوعوية ولو بالشعور والتأييد.
- أن الدور الكبير الذي يقوم به المشروع وغيره والتكاليف التي يحملونها للمجتمع يحتاج منا إلى نوعين من الدعم: دعم معنوي وآخر مادي ولا يقل أحدهما أهمية عن الآخر.
وأعتقد أن المشاركة المعنوية في استطاعه الجميع ولكنها لم تصل إلى الشكل المطلوب الذي يحقق الأهداف المرجوة. ولعلي أشير إلى تجربة قامت بها بعض المؤسسات الخيرية وحققت نجاحات جيدة، وهي أن يتبرع كل من يجد في نفسه نفعاً من خلال تخصصه أو خبرته أو مجال عمله بساعة في الأسبوع أو الشهر ليجعلها دعماً لأعمال المشروع وأهدافه ومهما كان هذا العمل المقدم يسيراً فإنه مع تضافر الجهود الأخرى يتحول إلى عمل عظيم جبار فالسيول الجارفة ما هي إلا قطرات مطر متفرقة، "والله معكم ولن يتركم أعمالكم" "أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً". أما النوع الثاني من الدعم فهو الدعم المالي والمادي إذا المال عصب الحركة والعمل للأنشطة الخيرية عموماً ومنها مشروع تيسير الزواج على وجه الخصوص، وقد أرسل فضيلة الشيخ محمد بن زيد آل سليمان رئيس مجلس أمناء المشروع ورئيس المحاكم الشرعية بالمنطقة رسالة صادقة إلى أهل الخير في هذا البلد المعطاء للتبرع المادي لأنشطة المشروع وأرجو أن يكون لها صدى في قلوب أهل الخير تحفزهم على المساعدة والتبرع. ان كتابتي لهذا المقال كانت من أجل الإسهام ولو بجهد المقل في بيان رسالة هذا المشروع وغيره من المشاريع المباركة وتعريف الأخوة القراء بها، وأردت أيضاً أن أبعث روح التكافل والانتماء في نفس كل فرد نحو مشروعاتنا الاجتماعية والخيرية في وقت يعيش العالم عولمة دجل لم تذر بيتاً أو محلاً إلا دخلته، عولمة تقطعت فيها الأرحام وبردت فيها العواطف وفقدت مجتمعاتنا دفء العلاقات الأخوية كما فقدت التضامن الروحي والأخلاقي الذي يحتاج إليه كل إنسان في كل زمان ومكان. الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران