للتاريخِ منطقه الخاص
البعض يعتبره "حدوتة" من حواديت جدتي، فيكتفون بالثرثرة، ومن ثمّ النومُ على أي ركبتين استمتاعا بالحكاية حتى يداهمه النعاس اللذيذ..
والبعض يراه درساً لا يكفي لأن يتعلم الأغبياءُ معنى المذاكرة للسيد "المقرر" وربما دون الاستعانة بأي مدرس خصوصي لنتقاطع مع الجغرافيا التقليدية التي أجهد فيها ابن بطوطة نفسه بحثا عن سفر من الأسفار، أو ليكتفي أحمد بن ماجد برحلة مع البرتغاليين بحثا عن أرض جديدة.
والبعض منا، يراه مجرد رقمٍ يتواتر بين التقاويم المختلفة جرياً وراء الأشهر الهجرية أو الغريغورية لينتهي في آخر الأمر بـ "الراتب" في أبشع عملية مقايضة يمارسها المرء مع ذاته، تضحية بأيام عمر لن يعود مقابل عملات تتأثر بسعر السوق وارتفاع الأسهم وربما انتظارا لسعر الدولار!
****
"منطق" خاص
هذا هو نفسه الذي دعا ممثل كوميدي لإشهار سيف الضحك، حينما اعتبر هذا العلم الذي "لا يكيل بالباذنجان" أشبه بعملية تنتمي لزمن "الفتوات" الذين يصرعون خصومهم أرضا بدون أي منطق، دون أن يدري أي فتوة من الزمن الغابر أن هناك من يعود في القرن الحادي والعشرين لنفس الأسلوب، ولو اختلفت العصا لتصبح قنبلة، وتوارى الحجر ليصبح دبابة، واختفى "شيخ الحارة" ليأتي شيمون بيريز أو شارون بدعوى مواكبة "العصر" .. الذي أثق في أن هناك من يرى فيه تكرارا لعصر الإنسان و"فرمه" إذا لزم الأمر، كما توعد ".... عربي" قبل أكثر من 20 عاما.
منطق التاريخ
مؤرخ مثل عبد الرحمن الجبرتي وقف مبهورا أمام ديكتاتورية القوة التي جاء بها "نابليون بونابرته" فاستجمع جلبابه فزعاً من تجربة "القنبل" ليدفع عقاباً مأساويا حين ركب حماره "بالمقلوب" كي لا ينظر لمرأى الخائفين وكأنه رفضٌ للسير مع الريح، فيما وقف محمد عبده ورشيد رضا ومالك بن نبي في دعوة "لأسلمة" العلم وتبنيه ضمن أقصوصة للحضارة رواها باقتدار وول ديورانت عبر رحلة غزيرة من المعرفة الإنسانية النادرة التي ينكرها البعض منا رغم أننا من حمل مشعل التنوير بكفاءة.. وتخلينا عنه بكفاءة أيضا؟!
فلاسفة القوة مثل نيتشه وهيجيل رأوا في "الفتوة" عامل الهيمنة الأول، وأغبياء التاريخ مثل هتلر وستالين انتهوا بتراجيديا إغريقية مروعة، لم ير فيها البعض أي إشارة موحية.
ازدواجية الفكر، مأساة التخندق العقلي الذي يمارسه البعض منا علناً وأحيانا بغباء يستحق عليها جائزة نوبل، يقرأ التاريخ دون أن يعترف بمآسيه أو يتعلم منها أو لا يكرر الدرس على الأقل.
في مدارسنا تاريخ طويل عريض ..
في كتبنا تاريخ أطول ..
في حياتنا تاريخ غير محدد
في صحونا، في منامنا، في تفكيرنا، في سلوكنا ، في ممارساتنا، في حديثنا، تواريخ وتواريخ وتواريخ وربما "حواديت" تفوق خرافات جدتي يرحمها الله.
سطوة غريبة من التلفيقات التي تبتعد تماما عما ندعيه أو نأمله دون أي مراجعة حقيقية لما يفترضه المنطق ..
والدليل، أمامنا
على الجدار، اسم صلاح الدين .. محاصر بالدبابات والضحايا والشهداء، مجرد لوحة، مؤطرة نتشدق بها، نتفاخر، ربما يعلقها كثيرون على الحائط تزويرا وادعاء.. دون أن نفعل شيئا، نقدم شيئا .. نتكلم ونتكلم ونتكلم..
تماما.. مثلما على الأرض أمة أخرى، تمشي على عجل دون حتى أن تلتفت!!