أصدر مركز زايد للتنسيق والمتابعة التابع لجامعة الدول العربية دراسة تناولت "قضية دفن النفايات النووية والخطرة في إفريقيا"، وذلك في إطار جهود المركز المستمرة لإشاعة ثقافة السلم والاستقرار، وتسليط الضوء أكثر على كل القضايا الحيوية والحساسة في مختلف القارات، وخاصة القضايا التي تحمل أخطارا محدقة بالنسبة لواقع الحياة الإنسانية ومستقبلها، مثل قضايا البيئة والطاقة والملوثات النووية.
ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراسة، خاصة في هذه الفترة التي يتوارى بها الحوار أمام عجز المجتمع الدولي عن وجود حلول سلمية لمشاكله وقضاياه في نقاط عديدة من العالم، فبالإضافة إلى حساسية وأهمية الموضوع الذي تتناوله الدراسة - وهو النفايات النووية والخطرة- فقد اختارت أن تجعل قارة إفريقيا مسرحا للدراسة لتبرز معاناة الإنسان في هذه القارة، وتعرض براءته للقرارات التي تغيب منها معايير العقل والأخلاق.
ذلك أن قارة إفريقيا من أفقر القارات وأكثرها تخلفا، ومازال الإنسان فيها يعاني مشكلات جمة تحصد ملايين الأفراد سنويا، مثل الجوع الناتج عن الجفاف والتصحر والظروف الطبيعية القاسية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وكذلك الأمراض المتفاقمة جراء انعدام الرعاية الصحية وقلة المياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى الحروب المنتشرة بسبب النزاعات القبلية ومشاكل الحدود وضعف البنية السياسية وغيرها من المشاكل.
فكيف يقبل "حكماء هذه الحضارة" أن تتفاقم مشاكل الإنسان في هذه القارة بحمل "النفايات النووية والخطرة" إليه من قارات أخرى وتخزينها في قاراته؟!
وزيادة على هذا البعد الفكري الأخلاقي الحضاري فقد تناولت الدراسة الأبعاد التي تطرحها قضية "دفن النفايات النووية والخطرة في إفريقيا"، مبرزة أنواع النفايات ومخاطرها على الإنسان والبيئة، وحجم المخزون العالمي منها، ومناطق تخزينه، وحقيقة دفنها في إفريقيا. كما حللت ظاهرة دفن النفايات في هذه القارة من خلال الوقوف عند أسباب الظاهرة، وانعكاساتها الاقتصادية والأخلاقية والسياسية، وسبل معالجة ذلك.
ووقفت - كذلك- عند التشريعات الدولية والإقليمية لمواجهة دفن النفايات في هذه القارة، ودور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في التصدي لهذه الظاهرة.
وعند تناولها لأنواع النفايات النووية والخطرة ومناطق إنتاجها ودفنها وخطورتها على الإنسان والبيئة بينت الدراسة أن أنواع النفايات كثيرة، منها النفايات السائلة والغازية والصلبة والكيماوية والنووية، فضلا عن تلك المشعة والتي تظل في نشاط مستمر لفترات طويلة، وأن جميع الأخطار المحدقة بالإنسان وبيئته تتضاءل أمام خطورة هذه النفايات التي ينتج منها سنويا أكثر من 420 مليون طن، موزعة بين الدول الصناعية الكبرى بنسبة 90% ودول العالم الثالث بنسبة 10% ، حيث ينتشر في العالم أكثر من 250ألف مصنع نووي وكيميائي لكل منها نفايات خطرة، وتعمل الدول الصناعية على دفنها في مناطق متعددة، منها قارة إفريقيا التي يدفن فيها 30% من هذه النفايات، ومن بين 150 موقعا تدفن فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفاياتها تشتهر صحراء نيفيدا كمستودع للنفايات النووية، كما تشتهر منطقة لاهاج في فرنسا، هذا بالإضافة إلى المحيط القطبي الشمالي.
أما أسباب استئثار إفريقيا بنصيب كبير من النفايات النووية والخطرة فترجعه الدراسة إلى أسباب خاصة بالدول الغربية المصدرة لهذه النفايات، وأخرى متعلقة بالدول الإفريقية المستقبلة لها؛ ففي حين تبحث الأولى عن مكان بعيد ورخيص التكاليف لدفن نفاياتها، فإن الثانية تحتاج أشد الحاجة إلى العملات الصعبة، ومن هنا نشطت تجارة دفن النفايات النووية والخطرة عبر العالم، وفاقت في حجمها المالي تجارة المخدرات، واجتذبت عددا كبيرا من الشركات الإجرامية والوسطاء، واستغلت فوارق الأسعار وصرامة الرقابة القانونية بين دول الشمال والجنوب ، حيث تبلغ تكلفة دفن الطن الواحد من هذه النفايات في الدول المتقدمة أكثر من 1000 دولارا، بينما لا يدفع الوسطاء والشركات الإجرامية عن دفنه في إفريقيا إلا 40 دولارا، الأمر الذي جعل نسبة 95% من ضحايا هذه النفايات من الشعوب النامية والفقيرة التي لا دخل لها أصلا في صنعها وإنتاجها.
ولم يفت الدراسة أن تبرز دور بعض الحكومات الإفريقية والمنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية في التصدي لهذه الظاهرة الخطرة، مبرزة أنه لا بد من تضافر ثلاثة محاور لمعالجة ملف النفايات النووية والخطرة في إفريقيا، يتمثل أولها في إصلاح النظام السياسي الإفريقي للقضاء على الثغرات التي تتسرب منها هذه السموم كالرشوة مثلا، ويتصل الثاني بضرورة التكاتف الإقليمي بين الدول الإفريقية ومؤسسات الاتحاد الإفريقي من أجل حماية الأراضي الإفريقية، بينما يرتبط المحور الثالث بضرورة إصلاح النظام الدولي ومنع ازدواجية المعايير، والتعامل مع بلدان العالم الثالث بنظرة المساواة.
ومن غير شك فإن هذه الدراسة بموضوعها الحيوي، ومنهجها العلمي تمثل إضافة إلى سلسلة الدراسات التي أصدرها مركز زايد للتنسيق والمتابعة من أجل إفادة القارئ، وإنارة رجل القرار السياسي، وفي سياق رؤيته لعالم يسود الحق والحرية والعدل والسلام فيه جميع البشر.