من المقرر شرعاً أن طلب العلم وتعليمه ونشره وتبليغه من أفضل الطاعات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، كيف وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العلم بأحاديث كثيرة ووصايا عديدة فكأنما بعث للعلم وتبليغه، ومن ذلك ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع". وبالعلم ينال العبد الخيرية في الدنيا والآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". والعلم كما نعلم جميعاً طريق إلى الله عز وجل وطريق إلى الجنة كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم: "من ذهب إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج، تاماً حجته" فكون العلم من أجل العبادات يحتاج من العبد حتى ينال فضائله وثوابه قصدا صالحا ونية متجردة من حظوظ النفس والهوى، وإلا كان هذا العلم الذي يطلبه ويسعى في تحصيله وينصب في حفظه وجمعه وبالاً عليه في الدنيا والآخرة. ولهذا جاء الوعيد الشديد لمن يطلبه من أجل الحصول على مغنم دنيوي كمال أو منصب أو مطمع نفسي كشهرة أو ذياع صيت أو طلب رئاسة. والنبي صلى الله عليه وسلم حذر طالب العلم من الوقوع في شرك طلب العلم من أجل دنياه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها. كذلك حديث أبي هريرة في أول من تسعر بهم النار، إذ ذكر منهم: " رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن.. ولكن من أجل أن يقال عالم أو يقال قارئ. ثم يؤمر به فيسحب على وجهة حتى يلقى في النار" هذا الحديث الذي كان أبو هريرة إذا حدث به يغشى عليه من هوله. وسمعه معاوية رضي الله عنه فقال: "قد فعل بهؤلاء هذا. فكيف بمن بقي من الناس"؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً. حتى يقول الراوي: ظننا أنه هالك. ثم أفاق رضي الله عنه ومسح عن وجهه وقال صدق الله ورسوله: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون". ويزداد العبد رهبة وخوفاً أكثر إذا سمع ما جاء في حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويعرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار". وبناءً على ما سبق، قد يظهر تساؤل مهم في أوساط المسلمين والمحبين للعلم وطلبه. هل يمكن أن يجمع المسلم بين طلب العلم وطلب الدنيا. بمعنى هل يعارض طلبه للعلم رغبته في الدنيا ومتاعها والتنعم بها ان إمكانية الجمع بينهما متيسرة إذا كان مقصد المسلم طلب الآخرة بالعلم النافع، فالدنيا ستأتيه بالمتبع والأعمال بالنيات، لأن من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمه- كما جاء في الحديث- فالمال الصالح بيد المؤمن الصالح نعمة مغبون عليها إذا أنفقه فيما ينفع وكف به وجهه عن سؤال الناس وجعله عوناً على طاعة الله عز وجل وطلب مرضاته. ولكي نلامس واقعنا ونضع الدواء لحاجاتنا الراهنة أرى من المناسب ذكره في المقام أن أضع بعض المقترحات النافعة التي تعين على طلب العلم ولا تتطلب جهداً كبيراً ولا وقتاً طويلاً. ومن هذه المجالات المعينة على طلب العلم:
1- الاستماع إلى الأشرطة العلمية النافعة لعلمائنا وفقهائنا التي تميزت بقوتها العلمية وسهولة عباراتها وتنزلها على الواقع الذي يعيشه المستمع في كثير من الأحيان.
2- الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم بما تحويه من دروس ومحاضرات وفتاوى وبرامج نافعة كان لها بالتجربة أثر كبير في تحصيل كثير من الناس العلم والهداية.
3- حضور الدورات العلمية الصيفية التي تحوي الكثير من الفوائد النافعة والتي عادة ما تكون أوقاتها في الإجازات ولا تستغرق زمناً طويلاً حتى لا يفتر الناس أو يملوا منها.
4- وهذا المجال موجه لأئمة المساجد أن يحرصوا على إلقاء الدروس النافعة والفوائد الفقهية المهمة للناس وتحبيب العلم في أنفسهم من خلال تخير الأوقات والمناسبات الملائمة لاحتياج الناس من غير أن نضطرهم للسآمة والملل أو التحديث بما لا يعقلون من العلم حتى لا يكون فتنة لبعضهم.
أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران