اذا غاب احدنا عن الاخر فالعذر دائما هو كثرة المشاغل، ويحكى ان احدهم التقى بصديق له بعد فترة طويلة من الفراق فأراد استضافته فاعتذر لكثرة مشاغله وحاجاته التي لاتكاد تنقضي فما كان منه الا ان طلب من صديقه ان يصحبه الى مشوار قصير يستغرق بضع دقائق فلما وافق ذهب به الى المقبرة وقال له انظر جميع هؤلاء الموتى فارقوا الحياة دون ان تنتهي كل مشاغلهم او تنقضي كل حاجاتهم.
وهكذا نحن دائما نعتذر عن عدم التواصل مع معارفنا بحجة قضاء حاجة ما او انهاء عمل ما وان لم يكن لدينا مايشغلنا ولكنها اعذار وذرائع نتقي بها العتاب ونتستر بها عن الواجب، والاسوأ من ذلك ان يشمل ذلك الاقارب، وكأن صلة الرحم مجرد كلام غير قابل للتنفيذ.. مع انه ملزم للجميع.
ولعل ايقاع الحياة السريع وتعقد امورها، وعبوس وجهها، واللهاث الدائم والمحموم للغنم بمكاسبها وراء هذه الجفوة التي بدأت تتسرب الى العلاقات بين الناس.. ومن عظمة هذا الدين الحنيف ان أبقى على هذه العلاقات من خلال اللقاءات المتكررة بين المسلمين خمس مرات في اليوم حين اداء الصلاة جماعة اضافة الى التأكيد على التقارب والتآزر والتعاون بين المسلمين على الخير ومن اجله وكذلك صلة الرحم التي بدأ يعتريها بعض الوهن كما هو الحال بالنسبة لامور كثيرة في هذه الحياة.
ان كثيرا من القيم التي اصبحنا نتحسر عليها ليست مستحيلة بل ان التمسك بها من اوجب الواجبات لرأب الصدع الكبير الذي اصبح ينتاب العلاقات الاجتماعية حتى اصبح الانسان يعيش لنفسه فقط دون احساس بمن حوله وهي ظاهرة اذا تجذرت تحيل الحياة الى بؤس مابعده بؤس ولم يكن الشاعر القديم قد جانب الصواب عندما قال: ==1==
نروح ونغدو لحاجاتنا==0==
==0==وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته==0==
==0== وتبقى له حاجة مــــــابقي==2==
فليس عسيرا على المرء ان يقضي حاجاته ويفي في الوقت نفسه بالتزاماته الاسرية والاجتماعية وهي التزامات لابد من الوفاء بها ليبقى للحياة رونقها والقها ويشرق وجهها بعد عبوس وتمتد ظلالها لتمحو هجير الجفوة بين الناس.