هذا قرار نريده، ويجب أن نشجع عليه، فليس من حق فئة أن تضر بقية فئات المجتمع وأبنائه وأفراده نعم، قد يكون من حقك أن تضر نفسك، وأن تجلب بنفسك لنفسك المرض، ولكن ليس من حقك أن تؤذي الآخرين وأن تضر بصحتهم، وأن تودي بهم إلى التهلكة. هذا ما أراه وأحاول أن (أقرأه) في التصريحات الأخيرة للدكتور توفيق خوجه المدير التنفيذي لمجلس وزراء الصحة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي أشار خلالها إلى اتساع قاعدة التدخين وانتشاره في دول المجلس، وزيادة أعداد المدخنين خاصة بين الشباب والفتيات وتلاميذ المدارس المتوسطة وصغار السن، كما أشار إلى تزايد عدد الأماكن والمنتديات التي يتم تخصيصها لتدخين (الشيشة). وقد تزامنت هذه التصريحات مع انعقاد الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية في جنيف يوم الأربعاء الحادي والعشرين من مايو الماضي، حيث تقدم وزراء الصحة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمذكرة للمنظمة تتضمن اقتراحاً بزيادة الرسوم الجمركية على التبغ بجميع مشتقاته وهي المذكرة نفسها التي يعتزم وزراء الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي أن يرفعوا نسخة منها إلى الأمانة العامة لدول المجلس بحيث تتولى بدورها رفعها للعرض على قادة دول المجلس، وتقضي بزيادة هذه الرسوم الجمركية على التبغ المستورد للدول الأعضاء بدول التعاون الخليجي إلى 150%. وقد أرجع الدكتور خوجه اتجاه وزراء الصحة إلى رفع الرسوم الجمركية على التبغ إلى إصرارهم على محاربة التزايد المستمر والمتصاعد في اعداد المدخنين بدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية التي تعد وفقاً لتقارير صدرت عن منظمات دولية منها منظمة الصحة العالمية- رابع أكبر الدول المستوردة للسجائر في العالم، بمبيعات تصل إلى 15 مليار سيجارة سنوياً، تقدر تكلفتها بنحو ثلاثة ملايين ريال يومياً، بينما قدرتها بعض الدراسات والتقارير بـ 636 مليون ريال سنوياً ( أي أكثر من نصف مليار ريال سعودي). وتذكر بعض الدراسات أن مدينة الرياض وحدها تستهلك نحو 35% من الاستهلاك الكلي للمملكة من السجائر، رغم كل الجهود المبذولة للحد من انتشار هذه الظاهرة السيئة. وإذا كانت التقارير تشير إلى حقائق خطيرة تكشفها الأرقام والإحصاءات فيما يتعلق بفئات المدخنين وأعمارهم، فإن ذلك يثبت أهمية قرار رفع الرسوم الجمركية بما يرفع أسعار السجائر، ومن ذلك أن 10% من المدخنين أعمارهم أقل من 17 عاماً، الأمر الذي يثبت صحة التوجه الداعي إلى رفع قيمة الرسوم الجمركية حيث أن هذه الشريحة من المدخنين ومعها شريحة أخرى من المدخنين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً هم من المعالين الذين يعتمدون على الغير في دخولهم وانفاقهم على السجائر. وإذا كانت وجهة النظر التي لا تؤيد قرار رفع الجمارك تتضمن قدراً من الصواب في إسنادها إلى ارتفاع الدخول الخليجية بشكل عام، إلا أن ذلك لا يبرر بأي حال من الاحوال الإبقاء على الأسعار الحالية للسجائر، إذ أن رفع الرسوم الجمركية يعد إحدى الوسائل لمكافحة انتشار التدخين، وليس كلها، وهو ما يستدعي تضافر الجهود واللجوء إلى كافة الوسائل الممكنة- بما فيها الوسائل التوعوية والإرشادية والإعلامية- لتفعيل هذه المكافحة حيث لا يجدي نفعاً اللجوء إلى شكل واحد أو وسيلة واحدة من أشكال المكافحة، وفي نهاية الأمر فإن المكافحة حماية للصحة العامة، وحماية للمجتمع بكامله من سلوك يرتكبه أقلية تصر على أن تضر نفسها وتضر الآخرين. رشيد بن راشد الرشيد