DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

موال من الشرق

موال من الشرق

موال من الشرق
أخبار متعلقة
 
.. منذ زمن بعيد.. كان لي صديق يكتب في الصحف تحت توقيع "اللي شايفكم" وكان بيشوف حاجات حلوة.. وحاجات وحشة.. وكان ذا رؤية ثاقبة وفاضحة وعارية للعديد من الأشياء.. وأحبه الناس "اللي" تحت لانه كان يرى ما يرونه ويحس بما يحسونه ويتألم لآلامهم.. ويفرح لأفراحهم.. ولكن ضاق به بعض الناس "اللي" فوق لأنه أشد التصاقا بالأرض وحقائق أهلها.. وما كان يتطلع الى الناس من أعلى.. كان معهم كتفا بكتف.. وكانت عيناه مزروعتين في رؤوسهم.. فرأى العديد من الأمور بعيون أولئك البسطاء والمعدمين والصادقين. .. وبعد سنوات فقد صاحبنا عينيه فما عاد يرى لا هؤلاء ولا أولئك فآثر التوقف عن الكتابة لأنه لم يعد يرى!! .. سألته ذات يوم: لماذا توقفت عن الكتابة والقراء يحبون ما تكتب؟ .. قال: لأني أصبت بالعمى من فرط ما أرى ولم أعد أفهم ولم أعد أميز بين وجه الانسان وقفاه ولا بين وجه الماعز والأسد.. ولا بين اللون الأحمر والأزرق وتداخلت الخطوط وتشابكت.. وكانت في البدء تمتد من الأرض الى عيني وعقلي فأحاول أن أقرأ ما تيسر لي وأكتبه على الورق. .. الآن ليس بإمكاني فك ذلك التداخل المشين والعجيب في هذا الزمن الصعب. .. زمان كنت أعرف ذلك الخط الفاصل بين الخير والشر.. بين الممكن واللا ممكن.. وبين الخطأ والصواب وبين الصدق والكذب.. وحتى بين الحزن العظيم المهان وبين الفرح الزائف والموقوت في عيون البشر. .. قلت: هذه فاجعة حقا.. ولكن ما النهاية بعد كل هذا العناء الذي تعانيه؟ قال مبتسما بمرارة: ستعرف غدا.. وبعد أيام.. مات صاحبي بطريقة بائسة للغاية لا أحبذ أن أروي تفاصيلها.. وقبل الموت كتب ورقة صغيرة تقول: لقد حاولت أن أفهم.. ولم أفهم.. وحاولت أن أقول شيئا.. ولم أستطع أن أقول أي شيء.. وهأنا أموت ونفسي أن أقول كلمة لم أقلها بعد.. وداعا.. هل تودون أن تعرفوا اسم صاحبي هذا.. لا بأس ـ لا سر بعد الموت ـ اسمه عبدالله الجابري.