فقد الدولار الأمريكي خلال العامين الماضيين حوالي 40% من قيمته مقابل اليورو ليُسجّـل أدنى سعر له في الأسواق المالية منذ 7 سنوات. ويتوقع الخبراء مزيدا من التراجع في سعر صرف العملة الأمريكية ولا تعود الثقة الحالية في الأورو إلى صلابة أو قوة الاقتصاد الأوروبي الذي لا يزال في مرحلة التباطؤ منذ عامين، وإنما لتراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي وفي الأنظمة الذاتية التي كانت حتى وقت قصير الضابط الوحيد لأكبر قوة اقتصادية في العالم.
فقد أخذت الثقة في الاقتصاد الأمريكي تتزعزع نتيجة انفجار ما سُـمي (الفقاقيع التكنولوجية)، التي ظهرت في أواخر التسعينات في البورصات وأسواق المال الأمريكية، وإثر فضائح انهيار إمبراطوريات مالية كبيرة أقامت صرحها على الرمال وعلى مكائد حسابية لم تكن في الحسبان. لكن الثقة في الدولار أخذت تضمحل فعلا لصالح اليورو عندما أثبت خفض معدلات الفائدة أكثر من عشر مرات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام واحد تقريبا حتى بلغت مستوى لم تعرف له مثيل منذ 40 عاما، أن عجلة الاقتصاد الأمريكي ليست قادرة على الإسراع بالخروج من مرحلة الركود. في هذه الأثناء، أدى تقلص معدلات الفائدة على الاستثمارات بالدولار إلى حركة واضحة في اتجاه اليورو، لاحظها البنك المركزي الأوروبي منذ ديسمبر الماضي. وينسب المراقبون هذه الانعطافة لقرار عدد من البنوك المركزية الرئيسية خاصة آلاسيوية على ما يبدو، بالتخلي جزئيا عن الدولار الذي مثل 80% من احتياطي عملتها الصعبة، لاستبداله باليورو. وعلى إثر التصريحات التي أكد فيها عدد من رسميّ النقد والاقتصاد الأمريكيين في الآونة الأخيرة أن الولايات المتحدة لا تزال في صالح دولار متين وقوي، انشق معسكر الخبراء إلى صفين يتخذان مواقف متباينة تجاه قيمة الدولار خلال الأشهر القادمة. فالبعض يؤكد أن الدولار سيظل ضعيفا حتى أواسط عام 2004 على الأقل، أي حتى يدب الانتعاش الفعلي في الاقتصاد الأمريكي. لكن البعض الآخر يرى أن معدل الفائدة على الاستثمارات بالدولار لا يبقى على هذا المستوى التاريخي المتدني، وأن الدولار سيستعيد شيئا من القوة خلال الأشهر القادمة على ضوء الإجراءات التي قررتها واشنطن للدفع بالاقتصاد إلى الأمام، وعلى أرضية الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، حيث هنالك حاجة للإدارة الحالية للبرهان على حسن التخطيط وعلى الكفاءة الاقتصادية. غير أن هذه البراهين تبقى، حسب بعض الخبراء، مرهونة بتصاعد مديونية الخزانة الفدرالية الأمريكية إلى مستويات قياسية، وبنتائج المفاوضات المكثفة والجارية في الأمم المتحدة حول مستقبل العراق والنفط العراقي الذي سيترك تأثيراته ولا شك على أسواق النفط، أي على الاقتصاد العالمي والأمريكي وكذلك على سعر صرف الدولار. ومن العوامل الأخرى التي لا تلعب حاليا في صالح الدولار وإنما في صالح اليورو، زيادة الاستثمارات في الأسواق المالية الأوروبية على حساب الأسواق الأمريكية، وهي ظاهرة تصاعدت في الآونة الأخيرة على ما يبدو، ليس لأسباب اقتصادية وحسب، وإنما لأسباب قانونية أيضا.
ويتساءل الخبراء ما إذا كان تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي أمرا مقصودا أم لا، أي ما إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في دولار قوي ومنيع لأسباب سياسية ونفسية، وتفتعل العكس تماما لأسباب اقتصادية وتجارية.