لم يدر في ذهن الناس كافة ولا حتى بالاخص في ذهن عدد كبير من قضاة المحاكم الشرعية في البحرين، ان يكون مستوى ادائهم وكفاءتهم ونزاهتهم موضع تداول من العامة وعلى صفحات الصحف اليومية وعلى مواقع الانترنت وفي الندوات، وذلك المفهوم خاطئ لم يشع بين الناس فحسب بل شاع حتى عند القضاة انفسهم ان القضاء هم، وهم القضاء!! وبالتالي فان تلك القداسة وذلك المقام العالي للسلطة القضائية سينسحب عليهم بحكم الانتماء، ولهذا ضاق الصدر سريعا بما عد من قبل القضاة (تطاول) على السلطة القضائية حين تداولت العامة ممارساتهم للسلطة الممنوحة لهم ورفعوا متضامنين قضايا حملة اتهامات السب والقذف على من انتقدهم علنا او حتى نشر خبر انتقادهم!!
يكتسب القاضي هيبته قبل سلطته من عنصرين اثنين اولهما النظام القضائي الذي يجعل من عملية تعيين القضاة اولا عملية في غاية الصعوبة ثم يجعل من عملية الترقيات وتولى المنصب العليا في سلك القضاء عملية اكثر صعوبة، واكثر دقة وذات معايير عالية جدا، ثم يحمل هذا النظام في جنباته من لجان التقويم والتقييم مايحافظ على نوعية وكفاءة منتسبي هذا النظام، مما يضفي حتما هيبة التبعية على القضاة نتيجة علم الجميع بأنه لم يصل احد ما الى هذه المرتبة الا بعد ان تفوق على كثيرين واجتاز مراحل في غاية الدقة والصعوبة.
اما العنصر الثاني فيكمن في شخصية القاضي وتلك هبة من الله فتجد قاضيا يفرض هيبته في قاعة المحكمة على المحامين دونما حاجة لمطرقة، وتجد قضاة لا يعبأ بهم المحامون حتى لو تفتتت المطرقة من القرع!
نسوا ان القضاة والنظام القضائي وكذلك القانون ماهم سوى ادوات لتحقيق المقصد الاسمى وهو العدل، ومالم تطور هذه الادوات باستمرار من خلال الانفتاح على التقييم والتقويم واعادة النظر، فان تلك الادوات تصاب بالصدأ وبالترهل واحيانا عديدة بعدم الصلاحية!!
المؤسف حقا انه في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات تطوير النظم القضائية في القوانين والمحاكم المدنية والقضاة في تلك المحاكم باستمرار دون توقف ـ وما زالت ـ سواء بتطوير ذاتي او بالاستعانة بالتجارب الاممية في هذا المجال، يقف القضاء الشرعي بمحاكمه وبقضاته (محلك سر) بتغييرات طفيفة حتى ليبدو وكأنه خارج حركة الحضارة!
العديد من قضاتنا الشرعيين هداهم الله اكتفوا بالتسمية وانتسابها الى اقدس المقدسات وهي (الشريعة الاسلامية) ليظنوا انها تمنحهم - وهم القائمون على تطبيق احكامها - القداسة بالانابة واحتموا خلف متاريسها، ليس هذا فحسب بل تزداد حساسية قضاة الشرع حين التطرق لمستوى كفاءتهم وكأنك مسست هالة القداسة ذاتها في حين ان انتقاد تلك الكفاءة مسألة تدخل ضمن آليات التطوير الاعتيادية لاي بشر ولاي نظام، خذ على سبيل المثال ماقيل عن القضاة في القضاء الامريكي:
"وقد تحث بعض هذه المشاكل بسبب عدم اكتراث القاضي او لانه عديم الحساسية او لتكاسله في بعض الاحيان.. على القاضي ان يكون علامة.. غير ان بعض القضاة يعتقدون ان عليهم التوقف عن التعلم والدراسة حال اعتلائهم منصة القضاء انهم مخطئون فعندما تصل الى كرسي القضاء، فذلك هو الوقت الذي يتعين عليك فيه ان تبدأ مرحلة التعلم والالمام، اذ ان هذا جزء من واجباتك في مجال المبادئ الاخلاقية.. بعض القضاة الامريكيين الذي يعانون جميعا الارهاق وزحمة العمل، يصبحون ببساطة مهملين ومتبلدي الاحساس وعليه فان افضل الوسائل التي ينبغي اتباعها هي تقديم المشورة لهؤلاء من جانب قضاة اخرين، وهي وسيلة تحقق النجاح في معظم الاوقات.. دعوني اقل انه توجد في بعض الولايات الامريكية لجان لعزل القضاة تضم ممثلين من المواطنين لامن القضاة" (انطوني كينيد القاضي بالمحكمة العليا الامريكية).
اصبح اذا تقييم القضاة مسألة حتمية حتى وان كانوا قضاة شرع، فذلك التخصص لا يجعلهم فوق المساءلة ولا يحميهم من المحاسبة كما يفرض عليهم اكثر من غيرهم تطوير ادائهم ومهاراتهم وعلومهم، ومثلما عليهم ان يستمعوا للمتخاصمين قبل اصدار الحكم، عليهم ان يستمعوا ايضا للمتضررين من احكامهم من بعد اصدارها، ويستمعوا كذلك لكل ناصح امين.