تمثل قضية التعاون مع محكمة الجزاءات الدولية التابعة للامم المتحدة قلقا لدى العديد من دول منطقة البلقان وتضعها في مواقف حرجة وصعبة في الاختيار بين الولايات المتحدة وأوروبا.
فمن المعروف ان واشنطن رفضت الانضمام الى الاتفاقية الخاصة بإنشاء وتشكيل المحكمة التي تعد أول محكمة جزاءات دولية ، بل قامت بدلا من ذلك تشن حملة من الضغوط لعقد اتفاقيات ثنائية تلزم بمنح المواطنين الأمريكيين حق الحصانة أمام تلك المحكمة اي تجعلهم فوق القانون الدولي. ونجحت الولايات المتحدة حتى الآن فى إبرام اتفاقيات ثنائية مع 32 دولة فى العالم من بينها ثلاث دول من منطقة البلقان أو ما يطلق عليها حديثا (منطقة جنوب شرق اوروبا) وهي كرواتيا والبانيا ورومانيا ، بينما رفضت دولا أخرى مثل سلوفينيا وبقى عدد آخر من الدول يحاول البحث عن مخرج من الوضع الصعب المتأرجح بين الولايات المتحدة واوروبا مثل بلغاريا ومقدونيا واتحاد صربيا والجبل الاسود. وتعتبر بلغاريا ضمن الدول السبع المرشحة لعضوية حلف شمال الاطلسي (ناتو) خلال العام المقبل ولعضوية الاتحاد الأوروبي مع رومانيا خلال عام 2007 بينما تسعى مقدونيا وصربيا والجبل الاسود للحصول على بطاقات انتظار لقطارى الناتو والاتحاد الأوروبي الأمر الذي يزيد من صعوبة تلك الدول فى الاختيار وارضاء كل من واشنطن وبروكسل.
وفى الوقت الذى تتأرجح فيه تلك الدول بين الولايات المتحدة واوروبا تمكنت بلغاريا من العثور على علاقة متوازنة الى حد ما مع روسيا خاصة بعد تولى رئيس الحزب الاشتراكى البلغارى منصب رئيس الجمهورية غير ان مقدونيا واتحاد صربيا والجبل الاسود لم يتمكنوا بعد من العثور على لغة مشتركة مع روسيا حتى الآن. فالنظرة العامة تشير الى ان سحب روسيا فرقتها العسكرية العاملة ضمن قوات (الكى. فور) لحفظ السلام فى كوسوفو يضع من جانب نهاية لعصر طويل من علاقات صربيا مع روسيا ويؤكد على الجانب الآخر على ان موسكو تنظر بشكل قد تشوبه الغيرة والتحفظ فى آن واحد للتوجهات صربيا والجبل الاسود نحو الحلفاء الغربيين الجدد. وازداد موقف الدول المتأرجحة بين الولايات المتحدة واوروبا حساسية بعد ان حذرت بروكسل من جانبها من ان توقيع اتقافيات ثنائية مع الولايات المتحدة سوف يعنى انتهاكا لقواعد البيت الاوروبى التى ترغب تلك الدول في الالتحاق به ولذا فان العديد من المراقبين يؤكدون على ان قرار الدول المتأرجحة بشأن توقيع اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة تمنح حق الحصانة وعدم المطاردة والقبض للمواطنين الامريكيين سوف يتم اتخاذه بعد المشاورات التى ستجرى مع الاتحاد الاوروبى فى لقاء القمة المزمع عقد خلال الاسبوع المقبل فى المدينة اليونانية سالونيك. من جانبه نصح المحلل السياسى المخضرم بمعهد بلجراد للعلوم الاجتماعية أوجنن برى بتشيش كل من صربيا والجبل الاسود بتأجيل اتخاذ القرار لأطول مدة ممكنة حتى تتضح الرؤية السياسية فى منطقة البلقان ويتضح موقفهما من عضوية الاتحاد الاوروبى وأن يتركا لبلغاريا ودول أخرى من المنطقة الاولوية فى التوقيع على الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة. واضاف ان صربيا والجبل الاسود علاوة على بلغاريا ورومانيا قد تلقوا تلميحات واشارات غير مباشرة برغبة واشنطن فى الحصول على قواعد عسكرية بأراضيهم سيتم فيها تسكين أكثر من 400 الف من القوات الامريكية. مشيرا الى ان الولايات المتحدة تنظر لتوقيع الاتفاقيات الثنائية على اعتباره اختيارا هاما من جانب دول الديمقراطية الحديثة وعاملا اساسيا فى ترجيح اختيار واشنطن فى انتشار قواعدها العسكرية الجديدة. وعلى جانب آخر فان بلغاريا ورومانيا وكرواتيا قد تلقت اهتماما سياسيا امريكيا فى الآونة الاخيرة بعد مواقفهم الواضحة فى الوقوف بجانب الولايات المتحدة فى عملياتها العسكرية ضد العراق ، الامر الذى يمثل لهم رصيدا ايجابيا لدى واشنطن يسمح لهم بالمناورة السياسية والتأجيل فى اتخاذ القرار بشأن الاتفاقية الثنائية الى أن يتم الحسم مع الاتحاد الأوروبي بينما يختلف الأمر فى اتحاد صربيا والجبل الاسود حيث مازال التناقض بين القيادات السياسية فيه واضحا.
وليس من المؤكد بعد الى أى مدى يؤمن سياسيو صربيا والجبل الاسود فى التأكيدات التى أطلقها رئيس البرلمان الاوروبى بيتر شيدر بأن دولتهم الاتحادية يمكن لها العيش بدون المساعدات الأمريكية ولذا لا يجب عليهم التوقيع على الاتفاقية مع واشنطن.
وهكذا فان العديد من المراقبين والمحللين السياسيين فى المنطقة يعتقدون ان اتحاد صربيا والجبل الاسود قد أصبح بين مطرقة بروكسل وسندان واشنطن وهذا الموقف الدرامي الذى يحمل عنوانا دوليا تختلط وتتشابك معه المواقف السياسية الداخلية التى تزيد من حدة التوتر فى الاتحاد الوليد الأمر الذى يؤكد على حقيقة ان المنطقة اليوغوسلافية السابقة كجزء من المنطقة البلقانية مازالت وستبقى لمدة طويلة من الزمن علامة على عدم الاستقرار وعدم وضوح الرؤية ومستقبل مبهم.